تأويلِ ذلك، فقال ابنُ الأنباري (١): معناه تصدَّقُوْا بالماءِ فإنَّ أفضلَ الصَّدقةِ سَقْيُ الماءِ، وهذا عدولٌ عن الظَّاهر.
ومنهم من حمَله على ظاهِره واغْتَسَل بالماءِ فكادَ يَهْلِكُ فقال ما لا ينبغي وهذا جهلٌ بالتأويل.
ومنهم من قال: إنَّ الحُمَّياتِ على قِسْمَيْن منها ما يكونُ عنْ خلطٍ باردٍ، ومنها ما يكونُ عن حَارٍّ وفيه ينفع الماءُ وهي حُمَّياتُ الحِجاز، وعليها خرج كلامُ النَّبِيِّ صلى اللهُ تعالى عليه وفِعْلُه حتى قال:"صُبُّوْا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبِ لَمْ تُحَلَّلْ أوْكِيَتُهُنَّ" فبَرُدَ وخَفَّ حالُه.
وقد ذكر أبو عيسى حديثًا غريبًا في تَبْريدِ الحُمَّى بالماءِ وذلك باستقبالِ جرية الماء في النَّهر قبل طلوعِ الشَّمس ثلاثَ مرَّات، أو خمسًا أو سبعًا أو تسعًا
(١) هو: الإمام الحافظ اللُّغوي ذو الفنون، علامَّة وقته أبوبكر محمد بن القاسم بن بشار ابن الأنباري، ولد يوم الأحد لأحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة إحدى وسبعين ومائتين، سمع إسماعيل بن إسحاق القاضي، ومحمد بن يونس الكديمي، وأحمد بن الهيثم البزاز، وأبا العباس ثعلبا وخلقا كثيرا غيرهم. كان من أعلم الناس بالنحو والأدب وأكثرهم حفظا له، ثقة صدوقا إديبا، ديِّنا فاضلا من أهل السنة، صنَّف كتبا كثيرة في علوم القرآن وغريب الحديث، والمُشْكِل والوقف والابتداء وغير ذلك، وذكر عنه أنه كان يحفظ ثلاث مائة ألف بيت من الشواهد في القرآن، وكتب عنه وأبوه حي. من تصانيفه: كتاب "الوقف والابتداء"، وكتاب "المشكل"، و "غريب الحديث"، و "شرح السبع الطوال"، وكتاب "الكافي"، وكتاب "الأضداد"، وكتاب "المذكر والمؤنث"، وكتاب "الرد على من خالف مصحف عثمان" وغير ذلك. توفي ليلة النحر، سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة. راجع لترجمته: ١٣/ ٣٩٧، وفيات الأعيان: ٤/ ٣٤١، الوافي بالوفيات: ٤/ ٢٤٥، سير أعلام النبلاء: ١٥/ ٢٧٤، البداية والنهاية: ١٥/ ١٢٥.