جزءٌ من زمانِ الاعتكافِ المَسْنون وهو اعتكافُ العَشْر الأوَاخر فلا يتأتَّى ذلك الاعتكافُ بدون اعتكافِ تلك اللَّيلة، وأيضًا تركُ هذه اللَّيْلة مع احتِمال أنَّها ليلة القَدْر، - والاعتكافُ وُضِعَ لالتِمَاسِها - بعيدٌ، وأيضًا ظاهرُ الحديثِ يُفيْد أن الدُّخولَ من الصُّبْح كانَ دأبُه - صلى الله تعالى عليه وسلَّم - والحَمْلُ على الجَواز ينافي ذلك، فالوجهُ عِنْدي التَّعْويلُ على الجَواب الذي أشَار إليه القَاضي أبو يعلي عن جانبِ الجمهور.
وحاصله: منع أن المرادَ بالصبح في الحديث صبحَ إحدى وعشرين عن الاعتكافِ كما فَهِم من يقول بخرْوج ليلةِ إحدى وعشرين في الاعتكافِ، بل المرادُ صبح عشرين، فدخلَ ليلة إحدى وعشرين في الاعتكافِ كما هو مذهبُ الجمهور، لا كما زَعَمَ ذلك البعضُ وهذا الجوابُ يظهر التَّوفيق بينَ أحاديثِ البابِ لمن يَنْظُر فيها من غير ارتِكابِ تأويلٍ لشيءٍ منها، فهو أوْلى وأحْرَى بالاعتمادِ. والله تعالى هو الهادي إلى الرشاد.
لا يُقال: يَلْزَم منه أنْ يكونَ السُّنَّةُ الشُّروعُ في الاعْتِكافِ من صبحِ العِشْرين استِظْهَارًا باليَوْم الأوَّل، وإنْ كانَ اليومُ الأوَّلُ مقصودًا بالاعتِكَاف، ويكونُ المقصودُ بالاعتكافِ اللَّيالي العَشْر وأيَّامُها، وهذا شيءٌ لا يقولُ به الجمهورُ، فلا يمكنُ الجوابُ عنهم بذلك؛ لأنَّا نقول: هذا أمر لا ينَافيه كلامُ الجمهور، فإنَّهم ما تعرَّضُوا له إثباتًا ونفيًا، وإنَّما تَعَرَّضُوْا لدُخول ليلةِ إحدى وعشرينَ وهو حاصلٌ.
غايةُ الأمرِ أن قواعدَهم وعدمَ التَّعَرُّضِ ليس بدليلٍ على خلافِ ذلك فالقولُ: بأنَّه سُنَّة غير مَسْتَبْعَدٍ، ومثلُ هذا الإيرادِ واردٌ على تأويلِ