فإذا رأينا أنفسنا مختلفين، حتى في أصل التوحيد ألا وهي شهادة أن لاإله إلا الله، فلا ينبغي أن ندع الاختلاف كما هو بدعوى: يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، وإنما علينا أن نتحاكم إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى عليه وآله وسلم، وأن نتقارب ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ولا يمكن إقرار الاختلاف وبخاصة فيما يتعلق بالعقيدة، فالعقيدة لا تقبل اختلاف، بخلاف المسائل التي يسمونها بالمسائل الفرعية، فالمسائل الفرعية يمكن أن يقع فيها اختلاف، ومع ذلك فيجب التناصح، فإذا تناصحوا، ثمّ بقي كل من المتناصحين، على رأيه السابق، فهنا نقولُ: يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه. أما أن نبقي الخلاف والاختلاف على ما هو عليه بدعوى: أنه لازم يعذر بعضنا بعضًا، ثم لا نسعى لإماتة هذا الإختلاف، بقدر ما نستطيع، فهذا ينافي الآيات والأحاديث التي تأمر بتوحيد الصف، ومن أعظم مايؤكد وحدة الكلمة ووحدة الصف هو كما قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء: ٥٩].
نحن نعلم أن الذين يقولون هذه الكلمة يجعلون الخلاف شريعةً، وأنه لابد منه، ونحن نخالفهم في هذا أشد الاختلاف، ونقول علينا التحاكم دائمًا وأبدًا إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن بقي شي من الاختلاف، فلا ينبغي أن يفرقنا، وأن يتدابر المسلمون بعضهم عن بعض، ولنا في هذه النقطة بخاصة، أسوة بأصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنهم كانوا يصدعون بالحق، ولا يقولون إذا وجدوا الخليفة نفسه، خالف في حكم لا يسكتون عنه، بل ينكرونه ولكن إذا أصر على رأيه، ما يخرجون عليه، ولا يعادونه، وإنما يردون سائلين معه، يأمرهم بالجهاد، يقاتلون في سبيل الله جميعًا، مع أنهم لا يزالون على شيء من الاختلاف، من الأمثلة المعروفة في