ذلك - ويكاد الوقت ينتهي- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد نهى الناس عن العمرة في الحج، وله في ذلك رأي معروف، يسوغ له أن يفعل ذلك، ولكنّ الصحابة الآخرين خالفوه في ذلك، وإن كان رأيه قد انتقل بعده إلى الخليفة الذي جاء على إثره وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومع ذلك فنجد عليًا كما في صحيح مسلم يأتي عثمان بن عفان فيقول له: مالك تنهى الناس عن التمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: دعني عنك - لم يجد له حجة - فقال: دعني منك أو عنك فقال: لن أدعك، لبيك اللهم بعمرة وحجٍ، فجابهه بالسنة التي عرفها من الرسول عليه السلام، لأن عليًا لما حج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حجة الوداع كان في اليمن، طبعًا وصلته الأخبار بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يستعد للحج إلى بيت الله الحرام، فخرج عليًا من اليمن حاجًا، ولما التقى مع الرسول عليه السلام في مكة، قال له: بما أهللتَ؟ قال بما أهلّ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أي كان حجه مطلقًا، لم يقل لبيك اللهم بحجٍ أو لبيك اللهم بحجٍ وعمرةٍ، أو لبيك اللهم بعمرة أي بتمتع، وإنما قال: لبيك اللهم بحجة كحجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال:«فإني قد قرنت» فعلي رضي الله عنه يعرف أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان قارناً.
فحينما ينهى خليفة راشد كعثمان عن قرن العمرة بالحج، يجابهه ويخالفه، ويقول لبيك اللهم بعمرة وحج، ومع ذلك فلا يوجد بينهم شي من التنافر والتباغض، بل تظل صفوفهم متراصة، هكذا يجب أن يعيد المسلمون ذلك العصر الذهبي، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.