ولا ارتياب ولا شك فيها وهي: أن هؤلاء السلف الذين سمعوا القرآن والسنة من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غضاً طرياً هم تلقوه مبيناً مفسراً .. تلقوه منه عليه السلام مبيناً مفسراً، وبيان الرسول عليه السلام، وهنا نقطة يجب أن نتذكرها دائماً بمثل هذه المناسبة: بيانه عليه السلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
بقوله .. بفعله .. بتقريره، فهو يقول شيئاً وهذه أحاديث الرسول القولية، ويفعل شيئاً وهذه أحاديثه الفعلية، ويرى شيئاً فيسكت عنه فيصبح شرعاً، وآنفاً ذكرت لكم قصة تيمم عمرو بن العاص خوفاً من البرد والماء متيسر، فلم يقل له عليه السلام قولاً لكنه أقره على ما فعل، فأخذنا منه حكماً، من الذي نقل لنا هذا التقرير؟ هو هذا عبد الله بن عمرو الذي وقعت له القصة فهو صحابي من أولئك الصحابة.
إذاً: هؤلاء الذين نقلوا إلينا الألفاظ هم أيضاً نقلوا إلينا المعاني، فمن طريقهم كما تلقينا الألفاظ يجب أن نتلقى المعاني لماذا؟ لأن الرسول عليه السلام يقول:«ليس الخبر كالعيان» نحن الآن يأتينا الخبر، لكن الصحابي مشاهد، فإذاً: هو يفهم هذا الخبر حينما شاهد الرسول يتكلم أفضل منا نحن حيث لم نشاهد وإنما جاءنا الخبر، وهذا أمر مهم جداً.
وأضرب على ذلك مثلاً: أمر الإنسان غيره بأمر ما يمكن أن يفهم: أن هذا الأمر ضروري تنفيذه، ويمكن أن يفهم بأنه غير ضروري، من هنا جاء الاختلاف الأصولي بين العلماء: أن الأمر في القرآن أو في السنة هل يقتضي الوجوب، أم لا يقتضي الوجوب؟ خلاف طويل في علم الأصول.
منهم من يقول: الأصل في كل أمر الوجوب إلا لقرينة، ومنهم من يقول: الأصل فيه الاستحباب إلا لقرينة، منهم من يقول: لا يفهم من الأمر شيء إلا