للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الصحابة اختلفوا اضطراراً، ولكنهم كانوا ينكرون الاختلاف، ويفرون منه ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

وأما المقلدة-فمع إمكانهم الخلاص منه، ولو في قسم كبير منه-؛ فلا يتفقون، ولا يسعون إليه؛ بل يقرونه، فشتان إذن بين الاختلافين.

ذلك هو الفرق من جهة السبب.

وأما الفرق من جهة الأثر؛ فهو أوضح؛ وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم-مع اختلافهم المعروف في الفروع- كانوا محافظين أشد المحافظة على مظهر الوحدة، بعيدين كل البعد عما يفرق الكلمة، ويصدع الصفوف؛ فقد كان فيهم-مثلاً- من يرى مشروعية الجهر بالبسملة، ومن يرى عدم مشروعيته، وكان فيهم من يرى استحباب رفع اليدين، ومن لا يراه، وفيهم من يرى نقض الوضوء بمس المرأة، ومن لا يراه؛ ومع ذلك؛ فقد كانوا يصلون جميعاً وراء إمام واحد، ولا يستنكف أحد منهم عن الصلاة وراء الإمام لخلاف مذهبي.

وأما المقلدون؛ فاختلافهم على النقيض من ذلك تماماً؛ فقد كان من آثاره أن تفرق المسلمون في أعظم ركن بعد الشهادتين؛ ألا وهو الصلاة، فهم يأبون أن يصلوا جميعاً وراء إمام واحد، بحجة أن صلاة الإمام باطلة، أو مكروهة على الأقل بالنسبة إلى المخالف له في مذهبه، وقد سمعنا ذلك، ورأيناه كما رآه غيرنا، كيف لا؛ وقد نصت كتب بعض المذاهب المشهورة اليوم على الكراهة، أو البطلان؟ ! وكان من نتيجة ذلك أن تجد أربعة محاريب في المسجد الجامع، يصلي فيها أئمة أربعة متعاقبين، وتجد أناساً ينتظرون إمامهم

<<  <  ج: ص:  >  >>