للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس بغير علم، كما قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا} [الإسراء: ٣٦]، وكما جاء في الحديث في سنن أبي داود وغيره: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل سرية فجرح فيها رجل، فلما أصبح الصباح وجد نفسه جنباً، وهو يعلم أنه يجب عليه الغسل، لكن عليه جراحات كثيرة، فسأل من حوله: هل يجدون له رخصة في أن لا يغتسل لما به من جراحات؟

قالوا: لا، لابد لك من الغسل، فاغتسل فمات، فلما بلغ خبره رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا على الذين أفتوه وكانوا سبب موته بقوله: «قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلوا، فإنما شفاء العي السؤال» ففي هذا الحديث وجوب سؤال غير العالم العالم، وتحريم إفتاء غير العالم، الذين أفتوه بوجوب الاغتسال مع وجود جراحات في بدنه كانوا غير علماء، فكان من الواجب عليهم أن يعودوا إلى علمائهم في تلك السرية، فيسألوهم حتى ما يقعوا في مثل هذه الفتوى القاتلة: «قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلوا، فإنما شفاء العي السؤال».

إذاً: نحن نفرق بين أن يتدين المسلم باتباع مذهب من ألفه إلى يائه، لا يخرج عنه قيد شعرة، وكأنما هو كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي يجب الاستسلام له بالكلية، ليس الأمر كذلك، لأن المذهب أي مذهب اليوم عليه المسلمون هو أولاً ابتداء اجتهاد إمام من أئمة المسلمين، وانتهاء دخل في هذا المذهب مئات بل ألوف الآراء والأقوال للذين ينتمون إلى الإمام، فالمسائل الموجودة الآن في كل مذهب ليس كما يتوهم كثير من الناس أن هذه المسائل كلها صدرت ونبعت من نفس الإمام، لا، أصول هذه المسائل وأمهاتها هي من

<<  <  ج: ص:  >  >>