فوالذي نفس محمدٍ بيده ما يخرج منه إلا حق» فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هو وحده الذي يتميز عن كل البشر أن ما يخرج منه هو كله حق، أما من أبو بكر الذي هو أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل وأنت نازل تقول لهم: لا يمكن أن نصفهم بأن كل ما يخرج من فم أحدهم هو الحق؛ لذلك لا يجوز أن نتخذ إنساناً بعينه إماماً لا نستفيد من علم آخرين لأن هذا الحق الذي أوحاه الله تبارك وتعالى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس محصوراً في شخصٍ بذاته من بعده، فنحن لا نعتقد في من خلفه عليه السلام من الصحابة ما يعتقده الشيعة في علي بن أبي طالب حيث يعتقدوا أن العلم الذي كان في صدر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - انتقل كله إلى علي، نحن لا نعتقد هذا، ولذلك اعتقدوا فيه العصمة وجعلوه كالنبي عليه الصلاة والسلام في العصمة، نحن نقول: العلم الذي كان في صدر الرسول عليه السلام انتقل إلى الصحابة وليس إلى صحابي واحد، ولذلك فمن شاء أن يأخذ العلم، أو أن يأخذ بحظٍ وافر من هذا العلم، فلا يستطيع أن يأخذه من شخص واحد، وإنما ينبغي أن يستفيد من جميعهم، وإلا فقد أضاع على نفسه علماً كبيراً.
إذا عرفنا هذه الحقيقة وخلاصتها أننا مكلفون باتباع الكتاب والسنة، وأن المجتمع الإسلامي فيه العلماء وفيه غير العلماء، وأن واجب هؤلاء غير العلماء أن يسألوا أهل العلم، ليس أن يسألوا عالماً واحداً؛ لذلك لم يكن التدين بالتمذهب في إمام واحدٍ أو مذهب إمامٍ واحدٍ في القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية كما ذكرنا آنفاً، وإنما كما كان العلم مشاعاً بين كبار الصحابة العلماء والفقهاء منهم، كذلك كانت الفتوى تتوجه إلى عديدٍ منهم، وليس إلى شخص واحد منهم.