للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحملون من حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما أنها تجرد أيضاً الفقهاء من العلم والإطلاع على حديثه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا يخفى ما في ذلك من الطعن في الفريقين معاً. وأنا لا أنكر أن يكون في الفقهاء من هو أفقه من بعض المحدثين، كيف وقد أشار لهذا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث المشهور عنه: «نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ولكن ليس معنى ذلك أنه يسوغ لنا وصف المحدثين إطلاقاً بعدم الفقه، كما هو ظاهر عبارة الشيخ، فإن الحديث المذكور صريح في ردها حيث قال: «رب حامل فقه ليس بفقيه ... » فأشار إلى قلة ذلك في المحدثين، لأن الأصل في «رُبَّ» أنها للتقليل، وكيف لا يكون الأصل في حق المحدثين ما ذكرناه، وهم ممن عناهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» قال ابن المديني: هم أصحاب الحديث، والذين يتعاهدون مذهب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ويذبون عن العلم، لولاهم لأهلك الناس المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي.

ثم إنما تظهر الفائدة من التفريق بين معرفة الحديث، وبين استنباط الأحكام منه والتفريق بين المحدث والفقيه في مسألة اختلف فيها الطرفان ودليل كل منهما هو عين دليل الآخر، وإنما الخلاف في فهمه وتطبيقه، ففي هذه الصورة يمكن ترجيح رأي الفقيه على رأي المحدث، وهذا على كل حال بالنسبة للمقلد الذي لا معرفة عنده بطرق الترجيح! وأما بالنسبة للمتبع فقد يترجح عنده رأي المحدث على رأي الفقيه لأدلة ظهرت له.

<<  <  ج: ص:  >  >>