الخلاف منه ما هو يعذر عليه الناس ومنه ما لا يعذرون عليه، يعذرون على الخلاف الذي لا بد منه، وهو ما أشارت الآية السابقة الذكر:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}[هود: ١١٨]، فربنا ما شاء أن يجعل الناس على منهج واحد، وعلى فهم واحد، ولو كان كذلك لكان أحق الناس بذلك هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين هم خير الناس كما جاء ذلك صراحة في الحديث المتواتر المعروف، ولكن شاء الله -عز وجل- بحكمة البالغة قد يدركها من يفهمها وقد لا يدركها أكثر الناس، ولا يضرنا ذلك، فالخلاف أمر طبيعي كما ذكرنا، أما الاختلاف والتخاصم من أجل سوء التفاهم في المسألة الواحدة، هذا هو المحظور، وهذا هو الممنوع، وهذا هو الذي نجا منه السلف ووقع فيه الخلف، إذا استحضر الشباب هذه الحقيقة، فلا ينبغي لهم أن يستغربوا اختلاف بعض العلماء، وبخاصة إذا كانوا ممن يشملهم المنهج الواحد
وهو المنهج الحق: الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح، لا يستنكروا ذلك ولا يستغربوه؛ لأنه سنة الله -عز وجل- في خلقه، وإذا أرادوا الخلاص منه فعليهم أن يسلكوا سبيل أهل العلم، وهو المنصوص عليه في القرآن الكريم:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: ١١١]، فإذا ورد إلى طالب العلم قولان متباينان أو أكثر عن عالمين فاضلين، والظن أنهما متساويان في العلم والفضل، فيحار وقد يحق له أن يحتار بادئ الرأي، لكن لا يجوز له أن يستمر في ذلك؛ لأن عليه أن يسأل الدليل أن يطلب الدليل من كلٍ من العالمين، سواء كان الكلام معهما مباشرة أو بواسطة المراسلة، أو المهاتفة أو نحو ذلك من الوسائل التي تتيسر اليوم، فبعد أن يسمع دليل كل منهم، فليس