وإنما بدأ تَجَمُّع هذه الأحاديث وتلك الآراء والاجتهادات بالنسبة للجيل الذي تلاهم ألا وهم التابعون، وهكذا كلما تأخر الزمن كلما تيسر للمتأخر أن يجمع علم المتقدم، وأعني الآن ما أقول حين أقول: العلم أي: العلم الذي نقلوه عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة، والعلم الذي استنبطوه هم بأنفسهم من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
هذا العلم بقسميه انتقل إلى جماعة التابعين؛ بسبب أن هؤلاء تيسر لهم الاتصال بقسم كبير كلٌ بحسبه .. كلٌ بحسب اجتهاده .. بحسب سياحته في سبيل طلب العلم، توفر له من العلم ما كان مبثوثاً في صدور جماعة من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وهكذا جاء دور أتباع التابعين فانتقل علم التابعين الذي هو مجموع علم الصحابة إلى مجموع علمهم هم مما اجتهدوا وتفقهوا وفصلوا بعض المسائل، وهكذا صار العلم الذي صدر من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وانتقل إلى مجموع أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وليس إلى قلب رجل واحد منهم، هذا العلم الذي كان مبثوثاً في الصحابة انتقل إلى التابعين، ومن التابعين انتقل إلى أتباعهم.
ونظراً لأنهم نالوا هذه التزكية من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث الصحيح الذي ذكرته آنفاً، بينما لا نجد مثل هذه التزكية الشاملة لقرون تلت هذه القرون الثلاثة لا نستطيع أن نلحق بهم غيرهم اللهم إلا أفراداً قد يكونون في قرون تلتهم، وكما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته أيضاً ألا وهو قوله:«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» إلى آخر الحديث، وكذلك قوله عليه السلام وهو إن لم يكن في الصحيحين فهو صحيح بمجموع طرقه: «أمتي