للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيء الأول: أن يخطر في بالنا أن يخطر كل منا في باله أنه لم ينزل عليه الوحي بما عنده من رأي وهو ممكن أن يكون مخطئ، وأن يكون الشخص الذي يجادله ويناقشه هو المصيب، ينبغي كل منا حينما يناقش صاحبه أن يستحضر هذه بدهية أننا لسنا معصومين، مهما كان الواحد منا متعلماً أو عالماً، فكثيراً ما يتحقق قول العلماء: قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل، قد يكون العالم على خطأ والمتعلم على صواب، قد يكون المتعلم على خطأ والأمي الذي لا يعلم يكون على صواب، وهذا الاستحضار لهذه الحقيقة مما يجعل الإنسان متأنياً متوقفاً مع صاحبه في مناقشته، وهذا أدب مأخوذ من القرآن الكريم؛ لأن الله عز وجل قد ذكر في كتابه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخاطب قومه المشركين وشتان بين المشركين في ضلالهم وبين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه في إيمانهم، مع ذلك قد أدبه الله عز وجل بهذا الأدب السامي الذي عبرنا عنه بالتسامح، وقال في القرآن الكريم: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ* قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: ٢٥ - ٢٦] فهذا منتهى التسامح في أثناء المناقشة، ليس فيه أن يتنازل المسلم عن عقيدته، لكن فيه افتراض أن أحد الفريقين هو على خطأ والآخر على ضلال، من هذا هو الفريق؟ لم يحدده هنا، لكنه دائماً وأبداً حين يدعوهم إلى الإيمان ويقول لهم: أنهم إن كفروا بما جاء به من عند الله عز وجل، يقول لهم: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: ٩٨] في الوقت الذي يفصح لهم بعقيدته وبمصيرهم فيما إذا استمروا في مخالفته، يقول لهم حينما يجادلهم: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: ٢٤] هذا خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام للمشركين،

<<  <  ج: ص:  >  >>