للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء الذين يتجرؤون على الإفتاء وهم ليسوا من أهل العلم والإفتاء، مثلهم كمثل ذلك الرجل الذي دعا عليه الرسول عليه السلام بأن يهلكه الله عز وجل لأنه أفتى بفتوى قضى بسببها على نفس بريئة مسلمة، تعلمون هذا الحديث الذي رواه أبو داوود في «سننه»: «أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل سرية، فلما قاتلوا الكفار وأمسوا وأصبح بهم الصباح، قام أحدهم وقد احتلم وفي جسده جراحات كثيرة، فسأل من حوله هل يجدون له رخصة في أن لا يغتسل؟ قال لا بد لك من أن تغتسل، فاغتسل فمات، فلما بلغ خبره رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فدعا عليه، فقال: قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلوا، فإنما شفاء العَيِّ السؤال» هذا الحديث يجب أن يكون ماثلا دائما وأبدا أمام أعين طلاب العلم حتى لا يتجرؤوا على الإفتاء فيصيبهم مثل ما أصاب ذلك الرجل الذي دعا عليه الرسول عليه السلام بأن يقاتله الله تبارك وتعالى.

والتجرؤ على الإفتاء يبدو مما سبق من الكلام يعود وباله على المفتي أولاً، وعلى المفتى به ثانياً، وحينئذٍ إذا استقر هذا المعنى في طلاب العلم الذين لم يصلوا إلى معرفة الكتاب والسنة وتتبع أقوال الأئمة والمفاضلة والمراجحة بينها، وإنما مجرد أن يقول أنا أرى كذا، وأنا فهمت كذا، هؤلاء ليريحوا أنفسهم من المصيبتين اللذين أشرت لهما أولا أن يقعوا هم في الخطأ، وأن يُوْقِعوا غيرهم في الخطأ وذلك بأن يسألوا أهل العلم ولا عليهم بعد ذلك أخطأ هذا الذي أفتاه أو أصاب، لأنه إن أصاب فبها ونعمت وإن اخطأ فإنما إثمه على مفتيه، فبدل أن يتحمل هو بنفسه لأنه أفتى بغير علم وورَّط الذي أفتاه بغير علم فليجعل، الإثم على غيره، إن أفتاه بغير علم.

<<  <  ج: ص:  >  >>