هذا العالم باجتهاد منه يقصد به الوصول إلى معرفة الحق الذي أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام لكنه في النهاية أخطأ ولا شك أنه ليس مأزوراً بل هو مأجور أجراً واحداً كما جاء في ذلك الحديث الصحيح المروي في البخاري عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد».
وبعض العلماء يُفَرِّقون بين أن يُعْذَر المجتهد فيما إذا أخطأ في الفروع دون الأصول، هذا التفريق لا نجد له أصلاً ولا دليلاً في الكتاب والسنة؛ لأن العلة هو إما أن يقصد الحق فأخطأه فهو مأجور، أو لا يقصد الحق فهو مأزور ولو كان في الفروع دون الأصول.
فهذا الكلام صحيح جداً ولعله يحسن أن ندعم ذلك بالحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«أنه رجلاً ممن كان قبلكم حضرته الوفاة فجمع أولاده حوله فقال لهم: أي أبٍ كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً، فإذا أنا مت فخذوني وحَرِّقوني بالنار ثم ذُرُّوا نصفي في الريح ونصفي في البحر» فلما مات الرجل حَرَّقوه بالنار وذَرَّوا نصفه في الريح والنصف الآخر في البحر .. «فقال الله عز وجل لذراته: كوني فلاناً فكان، ثم قال الله عز وجل له: أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب! خشيتك، قال: فقد غفرت لك».
فهذا رجل وقع في الكفر مع ذلك غفر له ذلك؛ لأنه لم يكن قاصداً الكفر لكن من هول تصوره للعذاب الذي سيلقاه بعدل الله عز وجل صدر منه هذا الكفر، فلما علم الله عز وجل ما في قلبه قال الله له: قد غفرت لك.