«ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجر في الخريف» تعرفون الشجر في الخريف الورق يصفر ويتساقط، وتسمع صوتاً له حينما يتساقط، كذلك تتساقط ذنوب المسلمين حين يلتقيان ويتصافحان، تتساقط عنهما ذنوبهما، كما يتساقط الورق عن الشجر في الخريف.
هذا إذا كانت المهاجرة في سبيل الدنيا، سواء كان مادة أو معنى.
النوع الثاني من المهاجرة والمقاطعة أن يقاطع المسلم أخاه المسلم تأديباً له، وتأنيباً وتربية، فهذا يجوز في الإسلام، بهذه النية الحسنة، وليس من باب المدابرة والمقاطعة التي سبق ذكرها آنفاً، وإنما تأديباً، وما يكون ذلك إلا حينما يكون المقاطع مرتكباً معلناً لمعصية لله عز وجل لا يبالي بالناس، لا يخش الله، ولا يستحي من عباد الله، وله أخ مؤاخ له مصادق له، فيقاطعه حينما يراه قد خرج عن الجادة، ولم يستقم على الصراط المستقيم.
وهذا دليله قصة الثلاثة الذين خلفوا، قصة غزوة الرسول عليه السلام في تبوك، وتخلف بعض الصحابة ومنهم كعب بن مالك لم يخرج في الغزو مع الرسول عليه السلام، وإنما تخلف عنه هو وبعض الصحابة، فلما رجع الرسول عليه السلام من غزوة تبوك، جاء هؤلاء وجاء غيرهم من المتخلفين من المنافقين، فكان المنافقون يعتذرون بشتى المعاذير الكاذبة، والرسول عليه السلام يقبل عذرهم ويكل أمرهم إلى الله، أما كعب بن مالك فصادق الرسول عليه السلام وأخبره بالواقع، قال له: والله يا رسول الله! ما بي أن أكذب عليك؛ لأني أعلم إنني إن كذبت عليك فسينجلي الوحي ويكشف الكذب، أنا اشتغلت بما كنت فيه من الحرث والزرع والضرع ونحو ذلك، فأمر الرسول عليه السلام