ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» هذه حقيقة أن كثيراً من الناس يفتون بغير علم، فيضلون ويضلون غيرهم.
لذلك الذين يريدون أن ينطلقوا للدعوة أقول أكرر ما قلته آنفاً: لا يكفي أن يكونوا طلاب علم، يجب أن يكونوا علماء يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة، وإلا فلا يستطيعون أن يبلغوا الإسلام، خاصة في تلك البلاد، وأنا أنهي هذه الأجوبة باعتبار الآن يبدأ الدرس، فأقول: أختم بكلمة لأن الحقيقة صارت الساعة التاسعة، والصوت بدأ يتغير معنا.
فيه مسألة لفت نظري إليها عالم من علماء الأندلس، وهو ابن رشد الأندلسي المالكي المذهب ضرب مثلاً للعالم المجتهد والعالم المقلد، مثل رائع جداً، وفيه عبرة لمن يعتبر، قال: مثل المجتهد ومثل المقلد كمثل بائع الخفاف وصانع الخفاف، بائع الخفاف -الأحذية- وصانع الأحذية، قال: يأتي الرجل إلى بائع الخفاف فيطلب منه قياساً معيناً ... نحن نقول: قياس يعني: نادر جداً، رِجْل ضخمة عريضة وقصيرة، يفكر بائع الخفاف في النماذج عنده ما وجد هذا القياس الغريب، يقول له: مع السلامة ما عندي، يذهب إلى صانع الخفاف يقول له: أريد خف من هذا القياس، يقول له: حاضر، يعني: سيصنع، هذا مثل المجتهد وذاك مثل المقلد، فمن أين يأتي هؤلاء بالأجوبة على الأسئلة إذا ما طرحت عليهم خاصة في تلك البلاد، لذلك ننصحهم ونؤكد النصيحة لهم، ما دام عندهم إخلاص وغَيْرةٌ على الإسلام وتبليغه للناس أن يعكفوا على طلب العلم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، بعد ذلك عسى الله عز وجل أن يمكنهم من هذا العلم، ويفتح لهم مجال الدعوة إلى الله بحق، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه.