وقد ابتلى كثير من هذه الأمة من الملوك وغيرهم بهذا الشعار - شعار اليهود والنصارى - حتى إنا رأيناهم في هذا الخميس الحقير الصغير يبخرون البخور ويضربون له بنواقيس صغار، حتى إن من الملوك من كان يضرب بالأبواق والدبادب في أوقات الصلوات الخمس! وهو نفس ما كرهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من كان يضرب بها طرفي النهار؛ تشبهاً منه كما زعم بذي القرنين، ووكل ما دون ذلك إلى ملوك الأطراف. وهذه المشابهة لليهود والنصارى وللأعاجم من الروم والفرس؛ لما غلبت على ملوك الشرق هي وأمثالها مما خالفوا به هدى المسلمين، ودخلوا فيما كرهه الله ورسوله؛ سلط الله عليهم الترك الكافرين الموعود بقتالهم، حتى فعلوا في العباد والبلاد ما لم يجر في دولة الإسلام مثله، وذلك تصديق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لتركبن سنن من كان قبلكم"؛ كما تقدم. وكان المسلمون على عهد نبيهم وبعده لا يعرفون وقت الحرب إلا السكينة وذكر الله سبحانه. قال قيس بن عباد - وهو من كبار التابعين -: كانوا يستحبون خفض الصوت عند الذكر وعند القتال وعند الجنائز. وكذلك سائر الآثار تقتضي أنهم كانت عليهم السكنية في هذه المواطن مع امتلاء القلوب بذكر الله وإجلاله وإكرامه، كما أن حالهم في الصلاة كذلك، وكان رفع الصوت في هذه المواطن الثلاثة من عادة أهل الكتاب والأعاجم، ثم قد ابتلى بها كثير من هذه الأمة ". قلت: ويشهد لما ذكره من كراهة صوت الجرس مطلقاً قوله عليه الصلاة السلام: "الجرس مزمار الشيطان". =