للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليهود» (١).

٦ - عن جابر بن عبد الله قال:

«اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلينا وراءَه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمع الناس تَكْبِيْرَه، فالتفت إلينا فرآنا قياماً، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قال: إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم، وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً» (٢).


(١) أخرجه البيهقي والطحاوي بسند صحيح، وقد روينا نحوه في "صحيح أبي داود" (٦٤٥)، ورجحنا هناك أن الحديث مرفوع، وإن كان تردد راويه أحياناً في رفعه.
قال شيخ الإسلام (ص ٤٢):
"وهذا المعنى صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية جابر وغيره أنه أمر في الثوب الضيق بالاتزار دون الاشتمال، وهو قول جمهور أهل العلم ... وإنما الغرض أنه قال: "ولا يشتمل اشتمال اليهود"؛ فإن إضافة المنهي عنه إلى اليهود دليل على أن لهذا الإضافة تأثيراً في النهي؛ كما تقدم التنبيه عليه ".
(٢) أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وهو مستفيض عن جابر، خرجناه من ثلاثة طرق عنه أوردناها في "صحيح أبي داود" رقم (٦١٥ و ٦١٩)، وفي "تخريج صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - "، والزيادة في آخره عند أبي داود وغيره بإسناد صحيح.
قال شيخ الإسلام (ص ٣٢):

"ففي هذا الحديث أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة، وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم في قيامهم وهم قعود، ومعلوم أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله لا لإمامه، وهذا تشديد عظيم في النهي عن القيام للرجل القاعد، ونهى أيضاً عما يشبه ذلك، وإن لم يقصد به ذلك، ولهذا نهى عن السجود لله بين يدي الرجل، وعن الصلاة إلى ما عبد من دون الله كالنار ونحوها، وفي هذا الحديث أيضاً نهي عن عما يشبه فعل فارس والروم، وإن كانت نيتنا غير نيتهم لقوله: "فلا تفعلوا"، فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية؟ !
ثم هذا الحديث سواء كان محكماً في قعود الإمام أو منسوخاً، فإن الحجة منه قائمة، لأن نسخ القعود لا يدل على فساد تلك العلة، وإنما يقتضي أنه قد عارضها ما ترجح عليها، مثل كون القيام فرضاً في الصلاة، فلا يسقط الفرض بمجرد المشابهة الصورية، وهذا محل اجتهاد، وأما المشابهة الصورية إذا لم تسقط فرضاً - كذا - كانت تلك العلة التي علل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سليمة عن معارض أو نسخ؛ لأن القيام في الصلاة ليس بمشابهة في الحقيقة، فلا يكون محذوراً، فالحكم إذا علل بعلة، ثم نسخ مع بقاء العلة، فلا بد أن يكون غيرها ترجح عليها وقت النسخ أو ضعف تأثيرها، أما أن تكون في نفسها باطلة فهذا محال، هذا كله لو كان الحكم هنا منسوخاً، فكيف والصحيح أن هذا الحديث محكم قد عمل به غير واحد من الصحابة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع كونهم عملوا بصلاته في مرضه، وقد استفاض عنه الأمر به استفاضة صحيحة صريحة يمتنع معها أن يكون حديث المرض ناسخاً له على ما هو مقرر في غير هذا الموضع، (فهو محكم) إما بجواز الأمرين؛ إذ فعل القيام لا ينافي فعل القعود، وإما بالفرق بين المبتدئ للصلاة قاعداً، والصلاة التي ابتدأها الإمام قائماً لعدم دخول هذه الصلاة في قوله: "وإذا صلى قاعداً "، ولعدم المفسدة التي علل بها، ولأن بناء فعل آخر الصلاة على أولها أولى من بنائها على صلاة الإمام، ونحو ذلك من الأمور المذكورة وغير هذا الموضع".

<<  <  ج: ص:  >  >>