" والحديث يدل على أن العلة في شرعية الصباغ، وتغيير الشيب، هي مخالفة اليهود والنصارى، وبهذا يتأكد استحباب الخضاب، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبالغ في مخالفة أهل الكتاب، ويأمر بها، وهذه السنة قد كثر اشتغال السلف بها، ولهذا ترى المؤرخين في التراجم لهم يقولون: "وكان يخضب"، "وكان لا يخضب"، قال ابن الجوزي: قد اختصب جماعة من الصحابة والتابعين، وقال أحمد بن حنبل وقد رأى رجلاً قد خضب لحيه: إني لأرى رجلاً يحيى ميتاً من السنة، وفرح به حين رآه صبغ بها". وقال شيخ الإسلام (ص ٢٤) بعد أن ذكر الحديث: "هذا فيه أمرٌ بمخالفتهم، وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمراً مقصوداً للشارع؛ لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود، وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط؛ فهو لأجل ما فيه من المخالفة، فالمخالفة إما علة مفردة، أو علة أخرى، أو بعض علة، وعلى جميع التقديرات تكون مأموراً بها مطلوبة للشارع؛ لأن الفعل المأمور به إذا عُبَّرَ عنه بلفظ مشتق من معنى أعم من ذلك الفعل؛ فلا بد أن يكون ما منه الاشتقاق أمراً مطلوباً، لا سيما إن ظهر لنا أن المعنى المشتق منه معنى مناسب للحكمة، كما لو قيل للضيف: "أكرمه"؛ بمعنى: أطعمه، وللشيخ الكبير: "وقره"؛ بمعنى: اخفض صوتك له، أو نحوه، وذلك لوجوه". قلت: ثم أطال في بيانها إلى (ص ٢٨) وفيه من الفوائد العلمية ما لا يوجد في غيره، ومما جاء فيه (ص ٢٧): "وهذا وإن دل على أن مخالفتهم أمر مقصود للشرع، فذلك لا ينفي أن تكون في نفس الفعل الذي خولفوا فيه مصلحة مقصودة مع قطع النظر عن مخالفتهم، فإن هنا شيئين: أحدهما: أن نفس المخالفة لهم في الهدي الظاهر مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين، لما =