للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام رحمه الله (ص ١٠٥ - ١٠٦):

«وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى إن الرجلين إذا كان من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة؛ كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم، وإن كان في مصرهما لم يكونا متعارفَين، أو كانا متهاجرَيْن، وذلك لأن الاشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة.

بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة، أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب، نحو ذلك؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما.

وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم، حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة، إما على الملك، وإما على الدين، وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء - وإن تباعدت ديارهم وممالكهم - بينهم مناسبة توِرث مشابهةً ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه، إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص.

فإذا كانت المشابهة في أُمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أُمور دينية؟ ! فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان ... وقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢]، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يوادُّ كافراً، فمن وادَّ الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة الموادَّة، فتكون محرمة».

وقال في مكان آخر (ص ٦ - ٧):

<<  <  ج: ص:  >  >>