للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطغيان؛ لأنه قد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام بعضها صريح في النهي عن مساكنة المشركين كما ذكرنا آنفاً من بعض الأحاديث، ومن ذلك قوله عليه السلام: «من جامع المشرك فهو مثله» المجامعة هنا: هي المخالطة وهي الصحبة، فليس هنا المجامعة من قبيل مجامعة الرجل لزوجته، وإنما هذا من باب مخالطة المسلم لغيره، فلا يجوز إسلامياً أن يخالط المسلم المشركين، ولا يجوز أن يعيش في بلادهم، ولا يجوز له أن يعيش في محلاتهم، في حاراتهم كما يقولون عندنا في بعض البلاد، عندنا في سوريا تعلمون جميعاً أنها كانت بلاد الرومان، يحكمهم الروم، يحكمهم هرقل، ثم ربنا عز وجل فتح تلك البلاد على يد خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح، ورفعت في تلك البلاد راية الإسلام، وخضع الكفر لأحكام الإسلام، فعاشوا في بلاد الشام وهم يعطون الجزية عند يد وهم صاغرون، ولذلك كان من نظام الإسلام أن المسلمين لما استوطنوا تلك البلاد انمازوا وانحازوا وانفصلوا في مساكنهم وفي بيوتهم وفي دكاكينهم عن مساكن النصارى وبيوتهم، وكان ولا يزال إلى اليوم يوجد عندنا في بعض البلاد كدمشق وغيرها حارة تسمى بحارة اليهود، حارة تسمى بحارة النصارى، أي:

هاتان المنطقتان مختصتان بسكن اليهود والنصارى، لماذا؟

لأن الإسلام يريد من المسلم أن يظل متحفظاً على شخصيته الإسلامية، فإذا ما خالط المشركين وساكنهم وعاشرهم سَرَق من حيث يشعر أو لا يشعر شيئاً من عاداتهم وتقاليدهم، وبخاصة أن عاداتهم وتقاليدهم هي مما تشتهيه الأنفس عادة، فتميل النفوس الأمَّارة بالسوء إلى تقليد الكفار في مثل هذه القضايا، وبذلك يبدأ المسلم وينحرف عن الإسلام رويداً رويداً، وربما يصبح يوماً ما كما جاء في بعض الآثار لا يعرف من الإسلام إلا اسمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>