الإسلامية، لكن الحقيقة أن هذه النوعية الحسنة التي ترى في تلك البلاد هي نابعة عن تجارب كثيرة مر بها الكفار فوجدوا أن من مصلحتهم الاستقامة في معاملاتهم، ولم تكن هذه الاستقامة في معاملاتهم نابعة من دينهم، وإنما هي تجارب حملتهم على الاستقامة في بعض المعاملات، في البيع والشراء والأخذ والعطاء، ونحو ذلك، وإلا فليس كما يقولوا، وإلا فليست القضية كما يشاع بين بعض الناس ويظنون تلك الإشاعة حديثاً مروياً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي قولهم:«الدين المعاملة» فالذي أريد أن أنبه عليه في مثل هذه المناسبة هو أمران اثنان: الأول: أن هذه الجملة ليست حديثاً نبوياً إطلاقاً، والشيء الثاني: أنها ليست صحيحة المعنى على إطلاقها، لأن هذا التركيب من حيث الأسلوب العربي «الدين المعاملة» هو على وزان قوله عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة» ومثل هذا الحصر في المبتدأ والخبر في الأسلوب العربي يعطي أهمية هذا المبتدأ الذي كان خبره النصيحة، الدين النصيحة، فالذي أشاع هذه الجملة الدين المعاملة ضاهى فيها بقوله عليه السلام الثابت في الصحيح: الدين النصيحة، فهل المعاملة كالنصيحة في الدين؟
الجواب: ليس كذلك، لا شك ولا ريب أن المعاملة الحسنة من المسلم لأخيه المسلم هو بلا شك من الدين، مما يأمر به الإسلام، ولكن ليس هو الدين كما يفيد هذا التركيب: الدين المعاملة، ولذلك بعد هذا البيان أقول: إذا كان الكفار من أوروبيون أو أمريكيون أو غيرهم نجد في معاملاتهم شيئاً من الحسن أو النصف، فلا يعني ذلك أن معاملاتهم كلها هي معاملة صحيحة وحسنة، فأنكم تعلمون أنهم يعيشون حياة تعيسة جداً بسبب ماديتهم حتى ترتب من وراء هذه الحياة المادية انفلاتات غريبة وعجيبة جداً جداً، وكان من آثارها انتشار الانتحار بين طبقات الكفار، ذلك مصداق قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ