لا يكاد يرى أحدهما نار الآخر، فإذاً الحديث حينما يقول:«المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما»، فهو كناية عن عدم المخالطة، وعن وجوب ابتعاد المسلم عن المشرك في سكنه في مخالطته، وأكد هذا المعنى قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الآخر ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من جامع المشرك فهو مثله»، المقصود هنا في كلمة (جامع) المخالطة؛ ولأن الرجل يجامع زوجته، فهو يخالطها أشد ما يمكن من المخالطة، لكن أصل الكلمة تفيد مطلق المخالطة والمجامعة، ولذلك فلما قال -عليه الصلاة والسلام-: «المسلم والمشرك»«من جامع المشرك فهو مثله» أي: من خالطه، والسر في نهيه -عليه الصلاة والسلام- عن مساكنة المسلم للمشرك جاء في المثل المشهور في بعض البلاد ألا وهو قوله: الطبع سراقٌ، الطبع سراق، وهذا بلا شك مما قعده وأسس هذا المعنى إنما هو نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- في بعض الأحاديث الصحيحة التي وردت عنها، من أشهر هذه الأحاديث ومن صحاحها قوله -عليه الصلاة والسلام-: «الجليس الصالح»«مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك إما أن يحذيك» أي: يعطيك مجاناً «وإما أن تشتري منه، وإما تشم منه رائحة طيبة»، وهذا معناه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يؤكد استفادة المسلم من مجالسة المسلم الصالح ولا بد، ويضرب على ذلك مثلاً بائع المسك، فهو إما أن يعطيك مجاناً، وهذا أكبر فائدة، وإما أن تشتري
منه بدراهمك وفلوسك، وهذه فائدة تلي تلك، وإما على الأقل أن تشم منه رائحة طيبة «أما مثل الجليس السوء، فهو كالحداد، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه رائحة كريهة»، فإذاً أنت أيها المسلم لا تخلوا من مخالطة الصالح من استفادة منه بوجه من وجوه تلك الاستفادات التي ذكرها الرسول -عليه السلام-، كما أنك لا تنجوا من أن تتضرر من مخالطتك للجليس الطالح، ومثاله الحداد، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه رائحة كريهة، من هنا جاءت الأحاديث تأمر بمصاحبة