أقول أن يهاجر إلى بلاد الكفر, هذا من باب أولى، لكن مع ذلك أقول الأحاديث جاءت تترى لتنهى المسلم من أن يسافر إلى بلاد الكفر، فمن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أبو داود في سننه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال بأوجز عبارة:«من جامع المشرك فهو مثله» والمجامعة هنا المقصود المخالطة، أي: المساكنة، وجاءت أحاديث أخرى تؤكد هذا المعنى في أوضح عبارة، فيقول عليه الصلاة والسلام:«المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما»، هذا كناية عن أنه يجب على المسلم أن يكون مسكنه بعيداً عن مسكن المشرك؛ لأن العرب من عادتهم أنهم كانوا يوقدون النار أمام دورهم، وأمام خيامهم، فيتراءى النار للقادم من بعيد، فكأن الرسول عليه السلام يقول للمسلم ابعد ابعد ما استطعت عن أن يرى نارك الكافر المشرك.
ويؤكد هذا أيضاً حديث ثالث وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين»، هذه نصوص واضحة جداً أنها تؤكد أنه لا يجوز للمسلم أن يسكن بين ظهراني المشركين، والحكمة من ذلك واضحة جداً ليس من الناحية المنطقية أو العقلية أو التجريبية؛ لأن هذا أمر ثانوي بالنسبة للنصوص النقلية، فهناك بعض الأحاديث التي يمكن أن يعتمد عليها لأخذ جواب سؤال قد يتبادر لبعض الأذهان حينما يسمعون تلك الأحاديث، ما هو السر، ما هي الغاية، ما هي الحكمة من نهي الرسول عليه السلام من المسلم من مخالطة المشرك؟
هناك حديثان من المناسب ذكرهما كجواب عن هذا التساؤل، الأول قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك إما أن يحذيك وإما أن تشتري منه، وإما أن تشم منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كمثل الحداد إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة كريهة»، هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يضرب مثلاً بالمجلس