بينهما بوجه من وجوه التوفيق المعروفة عند العلماء، والتي أوصلها بعضهم إلى أكثر من مائة وجه، فحينما لا يمكن الجمع بين الوجه الأول والثاني والثالث .. إلى آخره، حينئذ يقال: هذا ناسخ وهذا منسوخ، أو العكس.
وهذا فيه شرط مهم جداً، وهو أن يعرف المتقدم من المتأخر، فالنسخ لا يصار إليه إلا بعد أن تسد كل الطرق للجمع بين النصوص، وهنا لا ضرورة إطلاقاً ولا حاجة .. ليس فقط الضرورة، لا حاجة للصيرورة إلى ادعاء نسخ الآية فضلاً عن الأحاديث التي ذكرناها آنفاً من أن الشارع الحكيم حض الأعراب أن يهاجروا من باديتهم إلى حاضرتهم ليكون لهم ما للمسلمين عامة من الغنائم.
نسخ هذه النصوص مع إمكان الجمع بالمعنى الذي نعرفه عن العلماء قاطبة في تفسيرهم لحديث:«لا هجرة بعد الفتح» أي: لا هجرة إلى المدينة، هذا الذي رفع، أما الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فبابها مفتوح، وماض إلى يوم القيامة، وهذا مذكور في العقائد المتوارثة خلفاً عن سلف، كما أنهم يقولون الجهاد ماض إلى يوم القيامة، كذلك يقولون الهجرة ماضية إلى يوم القيامة، ولعل هناك حديثاً بهذا الخصوص لكن الآن لا أستحضره وما أدري إذا كان بعض إخواننا يذكر هذا.
مداخلة: .. ما زالت الهجرة وما زال الجهاد ..
الشيخ: هذا هو، لكن هذا الكلام بارك الله فيك كله في الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، نعني أنه ليس منسوخاً هذا، وإنما المنسوخ الهجرة فقط إلى المدينة بمعنى لو أن مسلماً هاجر اليوم من المدينة إلى مكة، لا أحد يقول له لماذا خالفت؟ لا، فضلاً هاجر من بلد آخر إلى مكة دون المدينة، لا أحد ينكر هذا الشيء إطلاقاً، فالهجرة إذاً ماضية إلى يوم القيامة من بلاد الكفر إلى بلاد