نارهما» وفي الحديث الآخر:«من جامع المشرك فهو مثله» أي من خالطه بجسده وسكنه ومعاملته، وكان ذلك غالبًا عليه فهو مثله في الضلال، وإن كانت نسبة الضلال تختلف كما ذلك في الإيمان، فكما أن الإيمان درجات فكذلك الضلال درجات فمن جامع المشرك فهو مثله، ثم أكد ذلك عليه الصلاة والسلام بعبارةٍ فيها رهبة شديدة ألا وهي قوله عليه الصلاة والسلام:«أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين» والسبب في ذلك من الناحية [النفسية] أن الطبع سرّاق، وبخاصة أنه يسرق الشر ولايمتص الخير إلا بصعوبة، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى هذه الحقيقة في بعض الأحاديث الصحيحة منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك إما أن يحذيك-أي يعطيك مجانًا- وإما أن تشتري منه وإما أن تشم منه رائحةً طيبة» يعني عليه الصلاة والسلام أن المسلم إذا خالط الناس الصالحين اكتسب منهم ولابد، وأدنى درجات الاكتساب في هذا المثال أن يشم منه رائحة سليمة وطيبة، وبالعكس قال عليه السلام:«ومثل الجليس السوء كمثل الحداد
إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة كريهة» وباختصار هذا الحديث يعني: أن الصاحب ساحب، الصاحب ساحب إن كان صالحًا سحب جاره إلى الخير، وإن كان طالحًا فاسدًا سحب جاره إلى الشر، ثم حكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لنا مثالاً واقعيًا ممن وقع في بعض الأمم من قبلنا، فقال عليه الصلاة والسلام: «قتل رجلٌ ممن قبلكم تسعة وتسعين نفسًا، ثم أراد أن يتوب، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب- يعني دُل على عابد ولكنه جاهل ليس بالعالم- فجاءه وقال له: أنا قتلت تسعة وتسعين نفسًا وأريد أن أتوب فهل لي من توبه، قال: قتلت تسعة وتسعين نفسًا وتريد أن تتوب، لاتوبة لك، فما كان من هذا القاتل إلا أن قتله وأتمم بذلك الرقم المائة نفس قتلها بغير حق، ولكنه كان جادًا في رجوعه إلى ربه وتوبته إليه، فلم يزل يسأل عن أعلم أهل