الأرض، حتى دُل في هذه المرة على عالم حقًا، فسأله وقال له: إني قتلت مائة نفس بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، لكنك- هنا الشاهد- ولكنك بأرض سوء فأخرج منها إلى البلدة الفلانية الصالح أهلها، فخرج من بلدته يمشي تائباً إلى ربه إلى تلك البلدة الصالح أهلها -باعتبار أن العالم نصحه بذلك- وفي الطريق جاءه الأجل، فاختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب كلاً يدّعي أنه من حقه، ملائكة العذاب يعرفون من حياته الشر المستطير، ولذلك فهم يرون أن يتولوا قبض روحه، وملائكة الرحمة يرون» كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:«إنما الأعمال بالخواتيم» وهذا الرجل خرج تائبًا إلى ربه، فهو من حقنا نحن ملائكة الرحمة أن نتولى قبض روحه، فأرسل الله إليهم حكمًا، فقال لهم: قيسوا ما بينه وبين كلٍ من القريتين، فإلى أيهما كان أقرب فألحقوه بأهلها، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى القرية الصالح أهلها بنحو ميل الرجل في أثناء مشيه، أن الرجل لايمشي هكذا، وإنما يمشي هكذا، هذه الميلة هي التي رجّحت
المسافة القريبة منه إلى القرية الصالح أهلها، فتولت ملائكة الرحمة قبض روحه، والشاهد من هذا الحديث الصحيح -وهو في الصحيحين البخاري ومسلم - الشاهد منه أن هذا العالم الفاضل عرف أن هذا الرجل الذي بلغت به الجرأة إلى أن يقتل تسعة وتسعين نفسًا من قبل، ثم أتم العدد بذلك العابد الجاهل، فصار القتلى الذين قتلهم مائة بغير حق، يشير هذا العالم أن هذه النفس الأمارة بالسوء إنما ساعدها على ذلك البيئة التي كان يعيش فيها وقضى شطر حياته الأكبر فيها، ولذلك ناصحه بأن ينتقل من تلك البلد الشريرة إلى البلدة الصالحة.
والأحاديث التي تؤكد هذه الحقيقة أن البيئة تؤثر في الإنسان صلاحًا أو طلاحًا، ومن العجائب أن البيئة تؤثر من الناحية الأخلاقية والإيمانية كما تؤثر من