لعل الكثيرين منكم قرؤوا شيئاً من الفقه على أي مذهب من المذاهب الأربعة المتبعة من جماهير المسلمين أهل السنة والجماعة ويقرؤون في هذه الكتب تقسيم العبادات إلى أقسام منها فرض ومنها سنة، ولا أزيد على هذا لأن هنا الشاهد. ويعرفون السنة من حيث ثوابها ومن حيث حكم تاركها بأن من فعلها أثيب عليها دون ثواب الفريضة، ومن تركها لا يعاقب عليها، بعضهم يزيد - والزيادة لا أصل لها - لا يعاقب عليها لكن يزيد فيقول: لكنه يعاتب من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
هذه الزيادة وهي قول بعضهم: أن من ترك سنة من سنن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التي هي ليست بفريضة ولا هي أيضاً بواجبة بالنسبة لرأي الحنفية الذين يفرقون بين الفرض والواجب فهي دون الفرض ودون الواجب يقولون قولة الحق: لا يعاقب تاركها، لكن يزيدون فيقولون: يعاتب تاركها. هذا العتاب ليس له أصل لا في كتاب الله ولا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا في أثر من الآثار الواردة عن السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين، وإنما على العكس من ذلك أذكركم بحديث ذلك الأعرابي الذي سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عما فرض الله عليه في كل يوم وليلة، فقال:«خمس صلوات. فلما قال له: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع. فقال عليه الصلاة والسلام: أفلح الرجل إن صدق، دخل الجنة إن صدق» فأين هذا العتاب المدعى؟ هذه كلمة كما يقال على الماشي، لكن الذي أريد أن أدندن حوله هو: هل السنة في هذا الحديث المتفق عليه هو بمعنى السنة التي ليست بفريضة ولا واجبة؟ الجواب: لا. هذا اصطلاح اصطلح الفقهاء ولا مشاحة كما يقول العلماء في الاصطلاح، اصطلحوا في سبيل بيان الأحكام وتوضيحها للناس فقسموا الأحكام إلى خمسة، قسموا العبادات أو الأحكام إلى خمسة فقالوا فرض وقالوا سنة وقالوا مستحب ونحو ذلك.