ليس المقصود في قوله عليه السلام:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» ليس المقصود بالسنة في هذا الحديث الصحيح هي السنة المصطلح عليها وهي التي دون الفرض، وإنما المقصود بهذه السنة في الحديث الصحيح: الطريق والمنهج والشريعة التي سار عليها الرسول عليه الصلاة والسلام بما فيها من أحكام حتى المباح، آخر حكم من الأحكام الخمسة المباح، فكما لا يجوز لمسلم أن يحرم ما أباح الله كذلك لا يجوز لمسلم أن يحلل ما حرم الله، كذلك لا يجوز لمسلم أن يشرع للناس فيقول لهم: هذه سنة، أو أن يقول لهم وهنا بيت القصيد: هذه سنة أو بدعة حسنة، لا يجوز أن يقول هذا الكلام لما سبق بيانه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذم البدعة الدينية، وأرجو أن تنتبهوا لهذا القيد، لأن كثيراً من الناس الغافلين أو الجاهلين حينما يقال لهم: هذه بدعة فلا تفعلها يقول: الذي لابسه أنت كله بدعة، الذي راكب السيارة هي بدعة، هذا من جهلهم أتوا لأنكم عرفتم آنفاً أن البدعة التي ذمها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذماً مطلقاً وحكم على صاحبها بأنه على ضلالة إنما عنى البدعة في الدين بدليل قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين:«من أحدث في أمرنا هذا، في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد».
إذاً قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» ما دلالة هذا الحديث على العموم الذي ذكرناه آنفاً صريحاً في بعض الأحاديث التي تذم البدعة ذماً عاماً شاملاً بحيث يسد على كل من كان قاصداً أن يعرف الحق في ما اختلف فيه الناس يسد عليه الطريق أن يقول: لا، هناك بدعة حسنة. قلنا: هذا أمر مستحيل أن يصدر من مسلم مؤمن يؤمن بالله ورسوله حقاً، لأنه يعتبر مشاقاة لله ولرسوله، رسولك أيها المسلم يقول لك:«كل بدعة ضلالة» وأنت بكل جرأة تقول: لا، ليس كل بدعة ضلالة إنما هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة. هذا لا يقوله إلا أحد رجلين: إما جاهل وإما غافل لا يدري ما يخرج من فمه.