وأتم عليهم النعمة، وكثير من الناس لا يتنبهون لهذه النعمة العظيمة، ولعظمتها امتن الله تبارك وتعالى على عباده بها، وذلك لغفلتهم عن أهمية كمال الشريعة، هذا الكمال الذي يغني الناس عن أن يتعبوا أنفسهم ما بين يوم وآخر أو أسبوع وآخر، أو شهر أو سنة وأخرى، أو قرن وآخر، أن يفكروا وأن يشغلوا أذهانهم بما يقربهم، بأن يتعرفوا على ما يقربهم إلى الله زلفى، أتمم الله عز وجل عليهم النعمة بأن أتمم لهم دينهم بهذه النكتة التي تنبأ لها بعض أحبار اليهود في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء إليه ليقول له: يا أمير المؤمنين، آية في كتاب الله، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا يوم نزولها عيداً، قال: ما هي؟ فذكر الآية السابقة:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة: ٣]. قال له عمر: لقد نزلت في يوم عيد، كأنه يقول: أبشر، فقد اتخذ المسلمون يوم نزول هذه الآية عيداً.
ذلك بأنها نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في عرفة وفي يوم جمعة، ويوم الجمعة يوم عيد المسلمين الأسبوعي، يتكرر ليس في كل سنة، بل وفي كل أسبوع مرة، لماذا قال هذا الحبر اليهودي، إن هذه الآية لو نزلت عليهم لاتخذوا يوم نزولها عيداً، لما فيها من تفضل الله عز وجل على عباده بأن أتم لهم الشريعة، وأكملها فأغناهم عن الاجتهادات الشخصية التي قد يتفننون بها ويتوسعون فيها، ليتقربوا بذلك إلى الله زلفى، وقد يضلون؛ لأننا نعلم جميعاً أن المجتهد معرض للخطأ، وإن كان مأجوراً على خطئه إذا ما أفرغ جهده لمعرفة الصواب الذي أمره الله به، كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح في البخاري وغيره:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد».
فتمام الشريعة إذاً يغنيهم عن مثل هذه الاجتهادات التي يراد بها توسيع دائرة