التقرب إلى الله عز وجل، فقد سدت وأغلقت وأتمت هذه الدائرة، فلم يبق للناس حاجة إلى أن يجتهدوا فيما يقربهم إلى الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل قد أتم النعمة بذلك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:«ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه»، لذلك جاء عن بعض السلف وهو بالضبط حذيفة بن اليمان أنه قال: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تعبدوها، أي: فلا تتعبدوا بها.
وقد تلقى هذا المعنى الخلف الأول عن السلف الأول في عبارات متنوعة من أهمها قول مالك رحمه الله: من ابتدع بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - خان الرسالة، اقرءوا قول الله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة: ٣]. قال ذلك، فما لم يكن يومئذ ديناً، لا يكون اليوم ديناً، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
هذه الكلمة من إمام دار الهجرة رحمه الله هي بحق كما كانوا يقولون قديما: تكتب بماء الذهب؛ لأنها وضحت لنا المقصود من هذه الآية التي تمنى ذلك اليهودي أنها لو نزلت عليهم لاتخذوها عيداً، والمسلمون والحمد لله اتخذوها أيضاً عيداً، كما سمعتم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنها نزلت يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على عرفة.
فهو يقول على صيغة التنكير الذي يفيد الشمول: من ابتدع بدعة واحدة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - خان الرسالة.
من هنا ينبغي على كل مسلم عرف هذه الحقيقة وهذه المنة التي امتن الله بها على عباده بإكماله دينه ألَّا يتجرأ على مقام الشريعة، فيستحسن ما شاء له عادته