للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: ١٠]، ثم وعظهم وكان من وعظه إياهم أن قال لهم: تصدق رجل بدرهمه، بديناره، بصاع بره، بصاع شعيره.

تصدق: فعل ماض كما يقول علماء النحو، لكنه بمعنى الأمر، أي: ليتصدق.

(تصدق رجل) أي: ليتصدق الرجل منكم بما يتسير له من الصدقات من نقود، دراهم أو دنانير، من طعام، قمح أو شعير، تمر .. أو نحو ذلك.

فتحرك أول من تحرك رجل من الذين سمعوا خطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وذهب سريعاً إلى داره ليعود وقد حمل بطرف ثوبه ما تيسر له من الصدقات، فوضعها أمام الرسول عليه السلام، فقام الآخرون، وذهب أيضاً كل منهم ليعود بما تيسر له من صدقات، فاجتمع أمام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصدقات كأكوام الجبال، أكوام، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تنور وجهه كأنه مذهبة، والمذهبة هي الفضة المطلية بالذهب، فيتلألأ جمالاً، هكذا يشبه راوي الحديث وهو جرير بن عبد الله البجلي، كيف اختلفت انطباعات الرسول عليه السلام أخيراً على انطباعاته الأولى.

يقول في الأول: تمعر وجهه عليه الصلاة والسلام، يقول أخيراً عنه: تنور وجهه عليه الصلاة والسلام كأنه مذهبة، وهذا التغير والتنور سبب واضح؛ لأنه فرح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - باستجابة أصحابه لأمره إياهم بالصدقة، فسعوا على أولئك الأعراب الذين جاؤوا إليه عليه السلام في حالة فقر مدقع.

تَنَوَّر وجهه عليه السلام وكأنه مذهبة، ثم قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة .. » إلى آخر الحديث.

انظروا الآن: كم يخطئ هؤلاء الناس الذين يستدلون بهذا الحديث على بدعهم التي استحسنوها بمجرد عقولهم إن لم نقل اتباعاً منهم لأهوائهم، أين

<<  <  ج: ص:  >  >>