للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث حجة عليهم من حيث دلالته.

أول ذلك: أن نتذكر سبب قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو أن نتذكر المناسبة التي فيها قال عليه الصلاة والسلام هذا الحديث الصحيح، والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده وغيرهما من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، قال: «كنا جلوساً مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجاءه أعراب مجتابي النمار .. متقلدي السيوف .. عامتهم من مضر بل كلهم من مضر» قال جرير: فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تمعر وجهه، أي: تغيرت معالم وجهه أسفاً وحزناً على ما رأى عليهم من آثار الفقر فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن خطبهم فوعظهم وأمرهم بأن يتصدق أصحابه على هؤلاء الطارقين للمدينة من فقراء الأعراب من مضر، فقرأ في جملة ما قرأ عليه الصلاة والسلام: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: ١٠]، وقال - صلى الله عليه وآله وسلم - في خطبته: «تصدق رجل بدرهمه .. بديناره .. بصاع بره .. بصاع شعيره» فقام رجل أول من قام من الحاضرين استجابة منه لموعظة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فذهب إلى داره ليعود بما تيسر له من صدقة ووضع ذلك بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلما رأى سائر أصحابه ما فعل هذا اقتدوا به وانطلقوا أيضاً ليعود كل منهم بما تيسر من الصدقة، قال جرير: فاجتمع أمام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصدقات كالجبال، أي: الأكوام، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تَنَوَّر وجهه كأنه مذهبة على خلاف ما كانت حال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما جاؤوا الأعراب فهناك تمعر وجهه ..

تغيرت ملامح وجهه حزناً، أما هنا فتنور وجهه عليه السلام فرحاً يشبه ذلك جرير بقوله: كأنه مذهبة، أي: كأنه فضة مطلية بالذهب تلألأ، فما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال الحديث السابق: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص

<<  <  ج: ص:  >  >>