للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطوع»، ما قال له: إلا أن تتسنن، فلا شك أن تعبير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خير وأولى وأصح وأدق من أي تعبير آخر.

من أجل هذا وما سيأتي وهو الأمر الثاني: قلت: لو كان لي من الأمر شيء لوضعت لفظة التطوع بديل السنة، ولكن تغيير الاصطلاح الذي ران على عرف الناس وما عرفوا سواه حرب لا طائل تحتها؛ ولذلك نقر هذا الاصطلاح، أي: إطلاق السنة على العبادة التي ليست بفريضة.

أما الأمر الثاني: فهو ما أشرت إليه في مطلع جوابي هذا: أن الاصطلاح في الشرع لهذه الكلمة السنة لا تعني التطوع، وإنما تعني الشريعة بكاملها، بفرائضها وسننها وآدابها وأخلاقها ومعاملاتها، الشرع كله، وذلك صريح جداً في حديث الشيخين في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن رهطاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاؤوا إلى أزواجه فلم يجدوه عليه السلام، فسألوهن عن عبادته - صلى الله عليه وآله وسلم -، عن صيامه وقيامه وإتيانه لأزواجه، فكان جوابهن ما هو معروف في السنة، إنه عليه الصلاة والسلام يقوم الليل وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، انطلاقاً من قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: ١١٠]، قال أنس: فلما سمعوا جواب نسائه عليه السلام عن عبادته - صلى الله عليه وآله وسلم - تقالوها، أي: وجدوها قليلة؛ ذلك لأنهم كانوا يتصورون بناء على عقيدتهم الحق أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو سيد البشر وأفضل البشر إذاً ينبغي أن يكون أعبد البشر، وهو كذلك، لكنهم تصوروا أنه لا يكون أعبد البشر إلا إذا كان متعبداً حسب تصورهم للعبادة، كانوا يتصورون العبادة أن يقوم الليل ولا ينام، وأن يصوم الدهر ولا يفطر، وألا يتزوج النساء؛ لأن النساء كما قال الوضاعين على رسول الله: «ضاع العلم بين أفخاذ النساء»، فإذاً كيف رسول الله يتزوج؟ وكيف ينام الليل ولا يقوم الليل كله؟ وكيف يفطر

<<  <  ج: ص:  >  >>