ولا يصوم الدهر كله؟ هكذا كانوا تخيلوا ليكون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أعبد البشر، وهو بلا شك أعبدهم وأكملهم، لكن ليس في حدود تصورهم للعبادة، وقد عبر عن تصورهم الخاطئ هذا قولهم أنهم وجدوها عبادة قليلة، فالرسول ينام الليل لا يصلي طوال الليل، والرسول يفطر ولا يصوم الدهر، والرسول يتزوج النساء ليست واحدة ولا اثنتين ولا أربع بل يجمع بين التسع وتزوج أكثر من تسعة، هذه عبادة قليلة، ثم عادوا إلى أنفسهم
ليعللوا مثل هذه العبادة التي تقالوها بعلة هي أقبح من المعلول، حيث قالوا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لسان حالهم لسان معنى قالهم هذا يقول: لماذا الرسول عليه السلام يجهد نفسه؟ لماذا نحن نبتغي منه أن يقوم الليل كله وأن يصوم الدهر كله وألا يتزوج النساء، ما دام أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ويعيش أحدنا في هذه الحياة الدنيا أليس ليحظى بمغفرة الله عز وجل في الأخرى؟ بلى، إذاً: ما دام أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في وجهة نظرهم الخاطئة إذاً الرسول ما يقوم الليل كله، وو .. إلى آخر ما إلى ذلك مما قالوه خطأً.
فقالوا: أما نحن فليس عندنا وعد من الله أن الله قد غفر لنا، إذاً يجب أن نجتهد، وأن نعزم، وأن نجمع أمرنا، وأن نعبد الله ربنا كل العبادة، لعلنا نحظى بمغفرة الله تبارك وتعالى كما حظي بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر، وقال الثاني: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء.
وسرعان ما رجع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أهله فأخبرنه الخبر، خبر الرهط، فخطب عليه السلام في المسجد وقال يكني ولا يفصح عن القوم:«ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا»، يعيد عبارتهم التي قالوها في حق الرسول أنه يقوم الليل وينام،