حلقاً حلقاً، وفي وسط كل حلقة منها رجل يقول لمن حوله: سبحوا كذا، احمدوا كذا، كبروا كذا، وأمام كل رجل حصى يعد به التسبيح والتكبير والتحميد. ما كاد ابن مسعود يسمع هذا الوصف إلا وبادر إلى القوم مخاطباً أبا موسى فقال: ألا أنكرت عليهم؟ ماذا ينكر عليهم؟ التسبيح والتحميد وسبحان الله والحمد لله، جاء في أحاديث كثيرة جداً: أربع كلمات بعد القرآن هي أربع كلمات لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أفضل الكلام بعد القرآن أربع كلمات لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ماذا كان يفعل أصحاب الحلقات؟ كانوا يسبحون ويحمدون ويكبرون .. إلى آخره، كيف ابن مسعود يقول لأبي موسى: أفلا أنكرت عليهم؟
قال .. وهذا أدب العالم مع العالم، فكيف يكون أدب الطالب للعلم مع العالم؟ ! لا شك أنه سيكون أسمى وأعلى من هذا الأدب؛ لأن كلاً من الصحابيين علماء، ابن مسعود وأبو موسى، لكن أبو موسى يعترف بعلم ابن مسعود أنه أعلى وأسمى من علمه؛ ولذلك قال له: ما تجرأت على الإنكار لما رأيت مما يستحق الإنكار حتى آخذ رأيك.
قال: أفلا أنكرت عليهم وأمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، بدل ما يعدوا على الله يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم شيء؟ قال: لا، انتظار أمرك أو انتظار رأيك.
فرجع ابن مسعود إلى داره وخرج متلثماً؛ لكي لا يعرف، وذهب تواً إلى المسجد، وفعلاً رأى الحلقات التي وصفها له أبو موسى.
قال لهم: ويحكم ما هذا الذي تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! وكشف عن وجهه اللثام، قال: أنا عبد الله بن مسعود صحابي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ما هذا الذي