ومع ذلك أن المحكومين كأنهم لا يشملهم اللوم الذي يوجهونه إلى الحاكمين، والحقيقة أن هذا اللوم ينصب على جميع الأمة: حكاماً ومحكومين. وليس هذا فقط، بل هناك طائفة من أولئك اللائمين لأولئك الحكام المسلمين بسبب عدم قيامهم بتطبيق أحكام دينهم، وهم محقون في هذا اللوم، ولكن قد خالفوا قوله تعالى:{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ}[محمد: ٧].
أعني: نفس المسلمين اللائمين للحاكمين حينما يخصونهم باللوم قد خالفوا أحكام الإسلام حينما يسلكون سبيل تغيير هذا الوضع المحزن المحيط بالمسلمين بالطريقة التي تخالف طريقة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ حيث أنهم يعلنون تكفير حكام المسلمين، هذا أولاً، ثم يعلنون وجوب الخروج عليهم ثانياً، فتقع هنا فتنة عمياء صماء بكماء بكماء بين المسلمين أنفسهم، حيث ينشق المسلمون بعضهم على بعض، فمنهم وهم هؤلاء الذين أشرت إليهم، الذين يظنون أن تغير هذا الوضع الذليل المصيب للمسلمين إنما تغييره بالخروج على الحاكمين.
ثم لا يقف الأمر عند هذه المشكلة، وإنما تتسع وتتسع حتى يصبح الخلاف بين هؤلاء المسلمين أنفسهم، ويصبح الحكام في معزل عن هذا الخلاف.
بدأ الخلاف من غلو بعض الإسلاميين في معالجة هذا الواقع الأليم: أنه لا بد من محاربة الحكام المسلمين الحكام المسلمين لإصلاح الوضع، وإذا بالأمر ينقلب إلى أن هؤلاء المسلمين يتخاصمون مع المسلمين الآخرين الذين يرون أن معالجة الواقع الأليم ليس هو بالخروج على الحاكمين، وإن كان كثيرون منهم يستحقون الخروج عليهم بسبب أنهم لا يحكمون بما أنزل الله، لكن هل يكون العلاج كما يزعم هؤلاء الناس هل يكون إزالة الذل الذي أصاب المسلمين من الكفار أن نبدأ بمحاكمة الحاكمين في بلاد الإسلام من المسلمين ولو أن بعضهم نعتبرهم مسلمين جغفرافيين كما يقال في العصر الحاضر؟