في الأميين رسولاً منهم، فالداعية يحسن أن يكون من نفس القوم ومعروفاً لديهم لاستقامتهِ ونقاوتهِ وصدقهِ وإخلاصهِ في دعوته؛ لأنه إن كان غريباً عنهم فقد لا يثقون به، ومن هنا كان من الحكمة الإلهية أنه ما بعث نبياً إلا في قومهِ، ومن هنا نحن نستطيع أن نأخذ حكمة أو سياسة للداعية أن يكون داعياً في نفس القوم الذي عرف فيهم وليس من الضروري أن يكون مثلاً العرب ينقسمون إلى شعوب كثيرة، وكثيرة جداً، فليس من الضروري أن يكون مثلاً الداعية أردني لكنه يدعو في العراق إلا إذا كان مقيماً هناك وعرفت أخلاقهُ وعرفَ إخلاصهُ، فحينذاك يكون له أسوة بالأنبياء بل بسيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام الذي بعث في قومهِ، والحكمة ظهرت من ذلك حينما دعاهم إلى التوحيد، دعاهم وأقام الحجة عليهم مثل ما حكاهُ الله عز وجل في القرآن الكريم بقولهِ:{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[يونس: ١٦] أي أنهم عاشروا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أربعين سنة، وما عرفوا فيه إلا الصدق وإلا الأمانة، وكذلك السيدة خديجة رضي الله عنها من أولئك القوم الذي عرفوا أمانتهُ فأرسلتهُ للتجارة في بلاد الشام، فالعرب الذين بعث فيهم الرسول عليه السلام بعث فيهم وقد عرفوهُ حقاً بصدقهِ وأمانتهِ فأقيمت الحجة عليهم بمثل هذه الآية:{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[يونس: ١٦]، فينبغي للدعاية أن يدعو في قومهِ وقومهُ لأنه يكون أشد تأثيراً فيهم.
هذا أولاً، وقلت هذا ليس شرطاً أساسياً لكن هذا شرط كمال، أما الشروط الأساسية هي التي جاءت فيما بعد في تمام الآية، يعلمهم الكتابة أي يدعوهم إلى كتاب الله عز وجل، ولا يدعوهم إلى كتاب غير الكتاب الكريم، لأن أي كتابٍ في الدنيا من الكتب التي ألفت من علماء المسلمين فضلاً عن غيرهم، يوجد فيها ما يوافق الكتاب وما يخالفهُ، أما القرآن فهو كما وصفهُ الله عز وجل لا يأتيهِ الباطل من بين يديهِ ولا من خلفه، ولذلك فينبغي أن يدعو القومَ إلى كتاب الله، ليس إلى مذهبٍ ولا إلى طريقٍ، ولا إلى حزبٍ ولا إلى أي جماعةٍ أخرى، إلا قال الله تبارك وتعالى.