للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دلالته، فيقولون: «من رأى منكم منكراً» المراد به الحكام، هم أولاً يخالفون ما ذكرناه آنفاً، أن كثيراً من الأحكام سيغيرها من ليس حاكماً، وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين كما ضربنا مثلاً رب البيت، وعلى العكس من ذلك.

قالوا هذا التأويل لمنع هؤلاء الناس الغيورين على الإسلام أن يباشروا تغيير المنكر بأيديهم، فكان عليهم أن يقولوا: تغيير المنكر ليس منكراً؛ لأنهم ليسوا حكاماً؛ وإنما لأنهم يغيرون المنكر بوسيلة يترتب من ورائها مفسدة أكبر من المصلحة، لكنهم أرادوا في الحقيقة أن ينوطوا الإصلاح، ولو شئت الإفساد بيد الحكام، أن يقولوا بأن تغيير المنكر هذا إصلاح، وهذا الإصلاح لا يكون إلا من الحكام، وهم يعلمون أن حكام الزمان اليوم مع الأسف الشديد لا يحكمون بما أنزل الله.

فإذاً: هم بهذا التأويل يريدون أن يعطلوا الأحكام الشرعية، وماذا عليهم لو أجروا الحديث كما هو مفهوم لدى كل عربي: (من) من صيغ الشمول. (من رأى منكم) من صيغ الشمول.

واستطاع أن يغير باليد بدون مفسدة أكبر، فليفعل، فإذا لم يستطع: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، ينزل للمرتبة الثانية، وإن لم يستطع حتى بالكلام، فالمرتبة الثالثة.

ماذا عليهم لوما أجروا الحديث على هذا الإطلاق والشمول والعموم، لكنهم يقولون للناس والجمهور أن من كان منكم آمراً بالمعروف، فليكن أمره بالمعروف، مش يأتي بمنكر في سبيل الأمر بالمعروف، ويكون حينئذ المفسدة أكبر من المصلحة التي كان يرجوها بالأمر بالمعروف.

فهذا هو جواب هذا السؤال، وقد وضح أن الرأي الثاني الذي يقول بعموم الحديث وشموله هو الرأي الراجح، وأن الرأي الأول باطل ولكن الرأي الثاني الذي هو الراجح يقيد بملاحظة الحكمة في تنفيذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(الهدى والنور/٢٤٥/ ١١: ٣٠: ٠٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>