للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمعروف والنهي عن المنكر تأجيل قرن العمل بالعلم، وإن كان الأصل كما ذكرت آنفاً أن يتبع العلم العمل، لكن هذا ليس قاعدة مضطردة، ففي بعض الأحيان قد توجب المصلحة الشرعية تأجيل العمل وتأخيره عن العلم، ومن أوضح الأمثلة الثابتة في السنة كشاهد على هذا الذي نقوله: إنما هو حديث السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما نصره الله على أعدائه المشركين وفتح عليه الفتح العظيم ألا وهو فتح مكة ودخلها منصوراً، وقضي على الشرك وأهله، دخل جوف الكعبة وصلى فيه ركعتين شكراً لله تبارك وتعالى على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، فأرادت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن تستن بزوجها وبنبيها - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن تدخل الكعبة لتصلي كما صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال عليه الصلاة والسلام لها: صلي في الحجر فإنه من الكعبة، وإن قومك لما قصرت بهم النفقة أخرجوا الحجر عن الكعبة ولولا ..

وهنا الشاهد، قال عليه السلام: ولولا أن قومك حديثو عهد بالشرك لهدمت الكعبة، ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولجعلت لها بابين مع الأرض: باباً يدخلون منه، وباباً يخرجون منه .. فأبقى عليه الصلاة والسلام الكعبة على ما بناه عليه المشركون في الجاهلية ولم يعده سيرته الأولى على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام خشية أن يترتب من وراء هذا الإصلاح .. الإصلاح الواجب وهو إعادة الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام، لم يفعل ذلك وهو من حيث قدرته وتمكنه وبخاصة بعد أن فتح الله له مكة كان قادراً على ذلك من الناحية الحربية أو القوة المادية، لكنه امتنع من تنفيذ ذلك الذي هو كان قادراً عليه .. منعه من ذلك أنه نظر إلى عاقبة هذا الأمر فخشي عليه الصلاة والسلام أن يكون إعادته لبناء الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام مثار فتنة لبعض الضعفاء من المؤمنين الذين كانوا حديث عهد بالإسلام .. من هذا الحديث يأخذ علماء المسلمين قولهم المعروف وقد روي حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولكنه من حيث إسناده لا يصح إلا أنه حكمة مستنبطة من هذا الحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>