شيئاً، ولكن يمكن أن يقال بأن ... الشريعة ليست في تفاصيلها ودقائق أحكامها كما هي في قواعدها وفي أصولها، فإن الأصول والقواعد التي جاءت في الشريعة تيسر على الباحث أن يجتهد في دائرة الاستنباط والإتيان ببعض الأمور التي لم تكن معروفة في العهد الأول، وقد تكلمت منذ عهد قريب في المجلس المبارك إن شاء الله على ما يسمى عند العلماء بالمصالح المرسلة، فهذه المصالح المرسلة هي أمور حدثت بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تكن معروفة في ذلك العهد الأطهر الأول وإنما حدثت فيما بعد، فهل هذه الأمور الحادثة تدخل في عموم ما ذكرته في الجلسة السابقة حول ... ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» أم يمكن أن يكون في بعض هذه الأمور الحادثة ما يمكن الأخذ بها والعمل بها وإن لم تكن موجودة معروفة من قبل.
وهذه النقطة الحقيقة من دقائق الفقه وأصول البدعة، فإن الأصول المعروفة والمذكورة عند العلماء وطلاب العلم إنما هي أصلان فقط أصول الحديث وأصول الفقه، ولكن هناك بعض العلماء المتأخرين واعتماداً على كتاب جديد في أصول البدع ألف رسالة كتيباً أسماها أصول البدع، والحق أقول إن ... هذا العلم أعني: علم أصول البدع يساعد الفقيه على التمييز بين ما كان بدعةً ضلالة داخلة في عموم ذلك النص النبوي الكريم، وبين ما كان من المصالح المرسلة التي يقول ... بها كثير من العلماء وعلى مقدمتهم وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولدقة الأمر ولإمكان اختلاط هذا الحادث بأن يكون بدعة ضلالة وبين أن يكون مصلحة مرسلة هنا تكمن الدقة المتناهية وقد فصل القول في ذلك ابن تيمية رحمه الله ليكون الباحث على بينة من الأمر.
يقول رحمه الله: إذا حدثت حادثة نظر في الباعث على إحداثها فإن كان الباعث على ذلك كان قائماً في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم لم يقم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بمثل ذلك الأمر الحادث مع وجود المقتضي للأخذ به، ... فما دام أن المقتضي كان موجوداً في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يأخذ بالمقتضى منه فذلك دليل على أن الأخذ به إذا وجد فهو بدعة ضلالة داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام:«كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».