ومن الأمثلة الواضحة البينة في ذلك الأذان لصلاة العيدين، فلو أن أحداً عمد أو خطر في باله أن يتخذ الأذان المعروف وسيلة للإعلام بدخول وقت صلاة العيد لم يقبل ذلك منه؛ لأنه قد كان المقتضي لتشريع أو تشهير الأذان في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فمع ذلك لم يكن ذلك مسنوناً، فمن أحدث بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أذاناً بغاية الإعلام يكون مثبتاً ومبتدعاً، ومعنى ذلك أنه يقول مستدركاً على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... بلسان حاله ولسان الحال كما يقال أنطق من لسان المقال.
ولذلك جاء عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه أنه قال: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - خان الرسالة، اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة: ٣] قال رحمه الله: ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
إذاً فالتقريب إلى الله عز وجل بتشريع عبادة لم تكن في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع وجود المقتضي لكونها شريعة في عهده هو أنه ابتداع في الدين وليس له علاقة بالمصالح المرسلة.
هذا إذا كان المقتضي للأخذ بتلك المصلحة قائماً في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نعود إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول: وإن لم يكن المقتضي قائماً في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نظر إن كان هذا المقتضي للأخذ بتلك الوسيلة سببه إهمال المسلمين لبعض الأحكام الشرعية فهذا الإهمال هو الذي كان السبب للإتيان بوسيلة أخرى لم تكن في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نتج من عدم الأخذ بما كان في السنة هذه المصلحة فحينئذٍ لا يجوز الأخذ بها؛ لأن المقتضي لها سببه هو تقصير المسلمين في القيام ببعض أحكام دينهم.
من الأمثلة على ذلك ما هو واقع في كثير من البلاد الإسلامية من الضرائب التي أثقلت كاهل أكثر الشعوب المسلمة ففرض هذه الضرائب كمصلحة لإملاء خزينة الدولة هذا بلا شك مصلحة ولكن هذه الضرائب ما الذي أوجبها؟ أوجبها عدم القيام بالوسائل الشرعية التي سنها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي نظام جمع الأموال