في هذه الصورة جاء الحديث الصحيح: إن الله عز وجل يعجب من قاتل يقتل مسلماً ثم يسلم القاتل فيدخلان معاً الجنة، الكافر يقتل مسلماً فمصيره النار بطبيعة الحال، لكن هذا الكافر يؤمن بالله ورسوله، والتوبة والإسلام يجب ما قبله، فإذاً هذا القاتل يدخل مع المقتول كلاهما الجنة، {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر: ٤٧]، ماذا؟ نستطيع أن نتخذ هذا الحديث في لعن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لأقوام معينين قتلوا طائفة كبيرة من المسلمين، أنه دليل على جواز
لعن الكافر بعينه، بل يجوز لعن المجرم المعروف بإسلامه، قد يكون منافقاً، يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وقد يكون يبطن الإسلام أيضاً ولكن إيمانه بدينه ليس قوياً، ولذلك يقع منه معاصي وذنوب كبيرة، من ذلك أن يقتل نفساً مؤمناً متعمداً.
فهذا المسلم الذي يرتكب معصية من المعاصي، لا سيما إذا كان مصراً على ذلك، وليست زلة قدم منه، فهذا أيضاً يجوز في الإسلام لعنه، كما جاء في ذلك حديث صحيح وفيمن هو أهون من قاتل النفس المسلمة، جاء في الأدب المفرد للإمام البخاري، وسنن أبي داود الستجستاني، وغيرهما أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله، جاري ظلمني، جاري ظلمني، جاري ظلمني، فقال له عليه الصلاة والسلام: أخرج متاعك، فاجعله في قارعة الطريق، فكان الناس يمرون والمتاع الملقى في الطريق يلفت نظرهم ورجل واقف بجانب متاعه، يشعرهم كأنه أحداً أخرجه من داره، وطرده منه، فيقولون له: ما لك يا فلان؟ قال: جاري هذا ظلمني، فما يكون منهم إلا أن يسبوه ويقولون: قاتله الله، لعنه الله، والظالم يسمع بأذنيه، مسبة الناس ولعن الناس له، فكان ذلك أقوى رادع له عن ظلمه؛ بأنه سارع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: يا رسول الله، مر جاري بأن يعيد متاعه إلى داره، فقد لعنني الناس، فكان جوابه عليه الصلاة والسلام:«لقد لعنك من في السماء، قبل أن يلعنك من في الأرض».