للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«العنونهن فإنهن ملعونات»، وسيأتي الجواب على السؤال المتعلق به، لكن من أوضح الأدلة على جواز لعن شخص بعينه بشرط أن يكون مستحقاً للعنه، ما جاء في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري وغيره من كتب السنة من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء شاكياً إليه جاراً له ظلمه، فقال له عليه الصلاة والسلام: «اجعل متاعك على قارعة الطريق»، ففعل، فكان الناس يمرون عليه، يقولون له: مالك يا فلان، يقول: فلان جاري ظلمني، فيقولون: قاتله الله لعنه الله، على الماشي، قاتله الله لعنه الله، فضاقت على الظالم الأرض بما رحبت، وانطلق إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليقول له: يا رسول الله، مر جاري ليعيد متاعه إلى داره، فقد لعنني الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: «لقد لعنك من في السماء قبل أن يلعنك من في الأرض».

إلى هنا انتهى الحديث، والشاهد منه، أن هؤلاء المارة هم صحابة، وأنه بالتعبير العصري اليوم تعلموا وتخرجوا من مدرسة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما كان لهم لئن يصبوا لعناتهم على هذا الرجل الظالم لجاره لولا أنهم تلقوا من نبيهم جواز هذا اللعن في مثل ذلك الظالم، هذا أولاً، ثانياً: لما حكى الظالم لعن الناس إياه للرسول عليه السلام راجياً منه أن يأمر جاره المظلوم بأن يعيد متاعه إلى داره قال له الرسول: «لقد لعنك من في السماء قبل أن يلعنك من في الأرض»، معنى هذا أنه أهل السماء يلعنون أشخاصاً بأعيانهم أولاً، وثانياً أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر اللاعنين لهذا الظالم، وإقراره حكم وشرع، ولو لم يكن عندنا قصة دعاء الرسول عليه السلام على رعل وعلى ذكوان، إذا عرفنا هذه الحقيقة، ورجعنا إلى قوله عليه السلام في النساء المتبرجات: «العنونهن فإنهن ملعونات»، هل هذا جهر أم هذا سر؟ ليست المسألة الآن ابتداءً هل يجوز علنا أو لا يجوز، هذا البدء يبدأ، هل يجوز مطلقاً أم لا؟ هل يجوز أنا أن أدعو في نفسي أن الله يلعن فلانة ولا أحد يسمعني، ثم بعد ذلك يأتي سؤال: هل يجوز أن ألعن هذا الذي ألعنه في نفسي، أن أفعل ذلك جهراً أيضاً، هذه مسألة

<<  <  ج: ص:  >  >>