للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذًا: الرسول عليه السلام قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلم يبق هناك ما يدعوه إلى أن يقوم الليل كله، ويصوم النهار كله، ويبتعد عن النساء بكله، ولذلك عادوا إلى أنفسهم: أما نحن فلم نظفر بعد بمغفرة الله فيجب أن نسعى إلى عبادة الله عز وجل لعل الله يغفر لنا، فتعاهدوا بينهم، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الثاني: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، والثالث قال: أما أنا فلا أتزوج النساء، وانصرفوا متعهدين على هذا.

ولما جاء الرسول عليه السلام إلى أزواجه وأخبرنه خبر الرهط، صعد عليه السلام المنبر وخطب في أصحابه قائلًا: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا» يعيد أقوال كل منهم، هذا يقول أصوم النهار الدهر ولا أفطر، وذاك يقول: أقوم الليل ولا أنام، والثالث يقول: لا أتزوج النساء، وهذا من أدبه عليه السلام أنه يكني ويعرض ولا يصرح فيقول: ما بال فلان قال كذا وفلان قال كذا لا، ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؛ لأن المقصود ليس هو التشهير، وإنما هو التعليم.

فقال عليه السلام: «أما أنا فإني أخشاكم لله وأتقاكم لله، أما إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» هذا موضع هذا الحديث، وهذا هو سبب ورود هذا الحديث: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» أي: من جاء بعبادة يتعبد الله بها ويتقرب إلى الله زلفى لم أتعبد الله بها فهو قد رغب عن طريقي وعن منهجي فهو ليس مني، لو أن رجلًا لم يقم الليل مطلقًا ولم يصم من الدهر شيئًا أكثر من شهر رمضان فهو الذي يستحق أن يكون من أهل الجنة بشهادة ذلك الحديث، ولا يقال فيه: قد رغب عن سنة الرسول عليه السلام، ولكنه لو صام مع رمضان صام كل الأيام التي ينهى الشارع الحكيم عن صيامها، ثم قام الليل في السنة كلها والليل كله بطوله فهو الذي رغب عن سنته

<<  <  ج: ص:  >  >>