للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيراً من الناس يسيئون فهم هذا الحديث، فهم يظنون أن معنى الحديث: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء) أي: سنة أحد الخلفاء، هنا بلا شك مضاف محذوف، يا ترى هذا المضاف المحذوف هل هو تقديره أحد الخلفاء، أم تقديره جميع الخلفاء؟ وفرق كبير جداً بين هذين التقديرين؛ لأن التقدير الأول: وسنة أحد الخلفاء الراشدين، يعني: أنه يكفي أن يكون أحد الخلفاء الراشدين قال رأياً أو اجتهدا اجتهاداً، والرسول عليه السلام يأمر المسلمين بأن يأخذوا به، ويعتبر الخروج عنه ضلالاً وابتداعاً في الدين، بينما الرأي أو التقدير الآخر، وهو سنة مجموع الخلفاء الراشدين يختلف الأمر تماماً.

ومما لا شك فيه أن اجتماع الخلفاء الراشدين في شيء ما يكاد أن يكون مستحيلاً أن يكون خطأً في نفسه، بخلاف ما إذا كان تفرد برأي أحدهم دون الآخرين، فحينئذٍ يظهر الفرق الكبير بين معنى كلٍّ من التقديرين، ولا شك ولا ريب عندي أن التقدير الثاني هو الذي يوافق بعض النصوص الشرعية الأخرى التي منها قوله تعالي: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥]، والله عز وجل يقول: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هل هو سبيل أحد المؤمنين، كذلك: «سنة الخلفاء الراشدين» أربعتهم وليس واحد منهم، ثم التاريخ الواقع يدل على أنه يبعد كل البعد أن يأمر النبي صلى عليه وآله وسلم المسلمين بإتباع أحد الخلفاء الراشدين، وبخاصة إذا تَبَيَّن فيما بعد أنه كان اجتهاداً منه، دل الدليل أو الواقع أنه لم يكن قد صاحبه التوفيق، ونحن قلنا آنفاً في حديث: «اقتدوا باللذين من بعدي» قلنا أن لا شك أن المسلم يجب أن يقتدي بهذين الصحابيين الجليلين ويُقَدِّم رأيهما على رأيه، لكن هل يقدم رأي أحدهما على رأيه؟ هذا موضع بحث؛ لأن الرأي قد يكون صواباً ممن سلف أو صواباً ممن خلف، فإذا كان

<<  <  ج: ص:  >  >>