ألا وهو ما جاء في صحيح البخاري وسنن أبي داود وغيرهما من أكثر من طريق واحد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أمر أصحابه أن يسووا الصفوف إذا قاموا إلى الصلاة، قال النعمان بن بشير وغيره: فكان أحدنا يطبق قدمه بقدم صاحبه، ومنكبه بمنكب صاحبه.
هذا فعل وقع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم تطبيقاً منهم لأمر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بتسوية الصفوف، ومما لا شك فيه ولا ريب فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يمكن أن يخفى عليه ما فعله أصحابه من خلفه، من ورائه وهم يصلون مقتدين به، لا يمكن أن يخفى هذا الرص الذي طبقه أصحابه - صلى الله عليه وآله وسلم - تنفيذاً لأمره بتسوية الصفوف والتراص في الصفوف، ذلك لأن من خصوصياته عليه السلام ومعجزاته أنه كان وهو في صلاته يرى من خلفه كما يرى من أمامه، فلو أن هذه التسوية لهذا التراص رص الأقدام ورص المناكب لم يكن مشروعاً لكان تكلفاً، ولو كان تكلفاً لنهاه الرسول عليه الصلاة السلام عنه؛ لأنه هناك حديثاً صحيحاً أنه عليه السلام نهى عن التكلف، وإن قيل إنه من الممكن أن يخفى ذلك على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأنا أقول باب الإمكان واسع جداً، لكن ما نحن فيه ليس من هذا الباب لسببين اثنين ذكرت أحدهما آنفاً وهو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، والسبب الثاني وهو الأهم أنه إن فرض أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يشهد هذا الأمر الذي فعله أصحابه خلفه في الصلاة، فرب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فما قلناه آنفاً عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وليس له من الوظيفة إلا التبليغ عن الله عز وجل، فبالأولى والأحرى أن يقال ذلك عن رب الرسول تبارك وتعالى، فيقال: إذا كان ربنا عز وجل كما أشرنا إليه آنفاً اقتباساً من القرآن لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وكان الله عز وجل لا يريد أن يشرع لعباده المؤمنين هذا التراص في الصفوف، لأمر نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن ينهى عن هذا التكلف.