وقول أبي هريرة- رضي الله عنه- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم يقول:«كل أمتي معافى إلا المجاهرون».
ثم يقول: ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب وقد أغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء ثابت الخبر ومحذوفه.
فمن ثابت الخبر قول ابن أبي قتادة:«أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم». ونظيره من كتاب الله قراءة ابن كثير وأبي عمرو {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم}.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما للشياطين من سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجون، أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا». وجعل ابن خروف من هذا القبيل قوله تعالى:{إلا من تولى وكفر فيعذبه الله}. ومن جعل الابتداء بعد (إلا) محذوف الخبر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله». أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«كل أمتي معافى إلا المجاهرون». وبمثل هذا تأول الفراء قراءة بعضهم {فشربوا منه إلا قليل منهم}[٢: ٢٤٩].أي إلا قليل منهم لم يشربوا؛ ثم ساق شواهد شعرية على ذلك: انظر [٤١ - ٤٤] والرضي في شرح الكافية [١: ٢٢٧] يخرج الشواهد على أن (إلا) فيها صفة.
ولكنه يعد عن هذا التخريج في قراءة الرفع في قوله تعالى:{فشربوا منه إلا قليل منهم} فلا يجعل (إلا) صفة، ولكنه يؤول {فشربوا} بالنفي أي لم يطيعوه.
قال في شرح الكافية:[١: ٢١٣]: «وتأويل النفي في غير الألفاظ المذكورة نادر، وكما جاء في الشواذ:{فشربوا منه إلا قليل}، أي لم يطيعوه إلا قليل». وهذا التخريج تخرج الزمخشري في الكشاف.
وأبو حيان يخرج الرفع في الآيتين على أن (إلا) صفة، ويرد على ابن عطية الذي جعل ما بعد (إلا) بدلا مما قبلها بتأويل الفعل المثبت بفعل منفي.