وأقول: إن هذا المحال في نظر ابن الحاجب والرضي قد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم}[٩: ١١٠]. ويؤسفني أن أقول: إن المفسرين والمعربين لاذوا بالصمت هنا فلم يتكلم أحد منهم على هذا الاستثناء الكشاف، العكبري، وأبو حيان البيان، وإنما تكلم أبو السعود والجمل بما لا غناء فيه.
* * *
كان يجمل بابن الحاجب الذي أجاز وقوع الاستثناء المفرغ بعد الإيجاب في الفضلات وشرط له الإفادة أن يحتكم إلى أسلوب القرآن الكريم ويستشهد بما جاء به، فلا يمثل بهذا المثال الهزيل: قرأت إلا يوم كذا، ومن أين جاءت الفائدة إلى هذا المثال؟ وهل من المستطاع أن يقرأ الإنسان في جميع أيامه حتى وهو طفل رضيع؟ أليس هذا من الكذب الذي منعوا وقوع المفرغ بعد الإيجاب بسببه؟
وتخصيص العصام الأيام بأسبوع أو شهر أو سنة ليس عليه دليل في الكلام.
ولو اعتبرنا مثل هذا التخصيص مسوغا لجاز نحو: ضربني إلا زيد وتريد بالضاربين جماعة معينة (أخوتك، أبناءك) وهو ما منعه ابن الحاجب.
قال الرضي: ١: ٢١٧: «وقرينة تخصص جماعة من الناس من جملتهم زيد منتفية في الأغلب».
وشتان ما بين الإفادة في مثال ابن الحاجب وبين الإفادة في قوله تعالى:
١ - {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}[٢: ٤٥].
٢ - {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله}[٢: ١٤٣].
٣ - {فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون}[٢: ٢٣٧].
٤ - {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله}[٣: ١١٢].