فتجد الفاء في جواب الشرط في صدر الجزأين مقدمة عليهما، وأنت في قولك: أما زيد فمنطلق إنما تجد الفاء واسطة بين الجزأين، ولا تقول: أما فزيد منطلق، كما تقول فيما هو بمعناه: مهما يكن من شيء فزيد منطلق، وإنما فعل ذلك لإصلاح اللفظ، ووجه إصلاحه أن هذه الفاء وإن كانت جوابا، ولم تكن عاطفة فإنها على مذهب لفظ العاطفة وبصورتها، فلو قالوا: أما فزيد منطلق؛ كما يقولون: مهما يكن من شيء فزيد منطلق لوقعت الفاء الجارية مجرى فاء العطف بعدها اسم، وليس قبلها اسم، إنما قبلها في اللفظ حرف، وهو [أما] فتنكبوا ذلك لما ذكرنا، ووسطوها بين الحرفين؛ ليكون قبلها اسم وبعدها آخر، فتأتي على صورة العاطفة، فقالوا أما زيد فمنطلق، كما تأتي عاطفة بين الاسمين في نحو: قام زيد فعمر».
وقال الرضي في شرح الكافية ٢: ٣٦٨: «وأما بيان معنى الشرط فيها بأن نقول: هي حرف بمعنى [إن] وجب حذف شرطها لكثرة استعمالها في الكلام ولكونها في الأصل موضوعة للتفصيل، وهو مقتض تكررها كما ذكرنا ... فيؤدي إلى الاستثقال لهذا أيضا.
وأيضا حذف ذلك وجوبا لغرض معنوي، وذلك أنهم أرادوا أن يقوم ما هو الملزوم حقيقة في قصد المتكلم مقام الشرط الذي يكون هو الملزوم في جميع الكلام. تفسير ذلك: أن أصل [أما زيد فقائم]: أما يكن من شيء فزيد قائم، يعني: إن يكن، أي إن يقع في الدنيا شيء يقع قيام زيد، فهذا جزم بوقوع قيامه، وقطع به، لأنه جعل وقوع قيامه وحصوله لازما لوقوع شيء في الدنيا. وما دامت الدنيا باقية فلابد من حصول شيء فيها. ثم لما كان الغرض الكلي من هذه الملازمة المذكورة بين الشرط والجزاء لزوم القيام لزيد حذف الملزوم الذي هو الشرط أي [يكن من شيء] وأقيم ملزوم القيام وهو [زيد] مقام ذلك الملزوم. وبقي الفاء بين المبتدأ والخبر، لأن فاء السببية ما بعدها لازم لما قبلها، فحص غرضك الكلي، وهو لزوم القيام لزيد، فلهذا الغرض وتحصيله جاز وقوع الفاء في غير موقعها.
فقد تبين أنه حصل لهم من حذف الشرط وإقامة جزء الجواب موقعه شيئان